فإذا الواجب الذي لا مرية فيه أن نحرص على الخيرات التي هي كمالنا والتي من أجلها خلقنا ونجتهد في الوصول إلى الإنتهاء إليها ونتجنب الشرور التي تعوقنا عنها وتنقص حظنا منها فإن الفرص إذا قصر عن كماله ولم تظهر أفعاله الخاصة به على أفضل أحوالها حط عن مرتبة الفرسية واستعمل بالأكاف كما تستعمل الحمير وكذلك حال السيف وسائر الآلآات متى قصرت ونقصت أفعالها الخاصة بها حطت عن مراتبها واستعملت استعمال ما دونها والإنسان إذا نقصت أفعاله وقصرت عما خلق له أعني أن تكون أفعاله التي تصدر عنه وعن رويته غير كاملة أحرى بأن يحط عن مرتبة الإنسانية إلى مرتبة البهيمية.
هذا إن صدرت أفعاله الإنسانية عنه ناقصة غير تامة فإذا صدرت عنه الأفعال بضد ما أعد له أعني الشرور التي تكون بالروية الناقصة والعدول بها عن جهتها لأجل الشهوة التي يشارك فيها البهيمة أولا أو الإغترار بالأمور الحسية التي تشغله عما عرض له من تزكية نفسه التي ينتهب بها إلى الملك الرفيع والسرور الحقيقي وتوصله إلى قرة العين التي قال الله: (فَلاَ تَعلَمُ نَفسٌ ما أُخفيَ لَهُم مِن قٌرَةِ أَعيُن) وتبلغه إلى رب العالمين في النعيم المقيم واللذات التي لم ترها عين ولا سمعتها أذن ولا خطرت على قلب بشر