وانخدع عن هذه الموهبة السرمدية الشريفة بتلك الخساسات التي لا ثبات لها. فهو حقيق بالمقت من خالقه عز وجل خليق بتعجيل العقوبة له وإراحة العباد والبلاد منه. وإذ تبين ان سعادة كل موجود إنما هي صدور أفعاله التي تخص صورته عنه تامة كاملة وإن سعادة الإنسان تكون في صدور أفعاله الإنسانية عنه بحسب تمييزه ورويته وأن لهذه السعادة مراتب كثيرة بحسب الروية والمروي فيه ولذلك قيل أفضل الروية ما كان في أفضل مروي ثم ينزل رتبة فرتبة إلى أن ينتهي إلى النظر في الأمور الممكنة من العالم الحسي فيكون الناظر في هذه الأشياء قد استعمل رويته والصورة الخاصة به التي صار من أجلها سعيدا معرضا للملك الأبدي والنعيم السرمدي في أشياء دنيئة لا وجود لها بالحقيقة فقد تبين أيضا أجناس من السعادات بالجملة وأضدادها من الشقاوات وأجناسها وأن الخيرات والشرور في الأفعال الإرادية هي إما باختيار الأفضل والعمل به وإما باختيار الأدون والميل إليه.
ولما كانت هذه الخيرات الإنسانية وملكاتها التي في النفس كثيرة ولم يكن في طاقة الإنسان الواحد القيام بجميعها وجب أن يقوم بجميعها جماعة كثيرة منهم ولذلك وجب أن تكون أشخاص الناس كثيرة وأن يجتمعوا في زمان واحد على تحصيل هذه السعادات المشتركة لتكميل كل واحد منهم بمعاونة الباقين له فتكون الخيرات