والشرور هي الأمور التي تعوقه عن هذه الخيرات بإرادته وسعيه أو كسله وانصرافه والخيرات قد قسمها الأولون إلى أقسام كثيرة. وذلك إن منها ما هي شريفة ومنها ما هي ممدوحة ومنها ما هي بالقوة كذلك ونعني بالقوة التهيؤ والإستعداد ونحن نعددها فيما بعد إن شاء الله تعالى. وقد قدمنا القول أن كل واحد من الموجودات له كمال خاص وفعل لا يشاركه فيه غيره من حيث هو ذلك الشيء أعني أنه لا يجوز أن يكون موجودا آخر سواه يصلح لذلك الفعل منه وهذا حكم مستمر في الأمور العلوية والسفلية كالشمس وسائر الكواكب وكأنواع الحيوان كلها كالفرس والبازي وكأنواع النبات والمعادن وكالعناصر البسائط التي متى تصفحت أحوالها تبين لك من جميعها صحة ما قلناه وحكمنا به. فإذا الإنسان من بين سائر الموجودات له فعل خاص به لا يشاركه فيه غيره وهو ما صدر عن قوته المميزة المروية فكل من كان تمييزه أصح ورويته أصدق واختياره أفضل كان أكمل في إنسانيته. وكما أن السيف والمنشار وأن صدر عن كل واحد منهما فعله الخاص بصورته الذي من أجله عمل. فأفضل السيوف ما كان أمضى وأنضر وما كفاه يسير من الإيماء في بلوغ كماله الذي أعد له.
وكذلك الحال في الفرس والبازي وسائر الحيوانات فإن أفضل الأفراس ما كان أسرع حركة وأشد تيقظا لما يريده الفارس منه في طاعة اللجام وحسن القبول في الحركات وخفة العدو والنشاط. فكذلك الناس أفضلهم من كان أقدر على أفعاله الخاصة به وأشد تمسكا بشرائط جوهره الذي تميز به عن الموجودات،