وأيضا فإن الإنسان إذا اكتفى من طعامه وشرابه وسائر لذاته البدنية إذا عرض عليه الإستزادة منها كما يستزاد من الفضائل أبى ذلك وعافه وتبين له قبح صورة من يتعاطاها لا سيما مع الإستغناء عنها والإكتفاء منها بل يتجاوز ذلك إلى مقته وذمه بل إلى تقويمه وتأديبه. فينبغي الآن أن نقدم أمام ما نطلبه من سعادة النفس وفضائلها كلاما يسهل به فهم ما نريده فنقول: كل موجود من حيوان ونبات وجماد وكذلك بسائطها أعني النار والهواء والأرض والماء وكذلك الأجرام العلوية له قوى وملكات وأفعال بها يصير ذلك الموجود هو ما هو وبها يميز عن كل ما سواه وله أيضا قوى وملكات وأفعال بها يشارك ما سواه.
ولما كان الإنسان من بين الموجودات كلها هو الذي يلتمس له الخلق المحمود والأفعال المرضية وجب أن لا ننظر في هذا الوقت في قواه وملكاته التي بها يشارك سائر الموجودات إذ كان ذلك من حق صناعة أخرى وعلم آخر يسمى العلم الطبيعي. وأما أفعاله وقواه وملكاته التي يختص بها من حيث هو إنسان وبها تتم إنسانيته وفضائله فهي الأمور الإرادية التي بها تتعلق قوة الفكر والتمييز. والنظر فيها يسمى الفلسفة العلمية. والأشياء الإرادية التي تنسب إلى الإنسان تنقسم إلى الخيرات والشرور.
وذلك أن الغرض المقصود من وجود الإنسان إذا توجه الواحد منا إليه حتى يحصل هو الذي يجب أن يسمى به خيرا أو سعيدا. فأما من عاقه عنها عوائق أخر فهو الشرير الشقي فإذا الخيرات هي الأمور التي تحصل للإنسان بإرادته وسعيه في الأمور التي لها أوجد الإنسان ومن أجلها خلق.