وكذلك من خاطر بنفسه في وقت الأمن والطمأنينة بأن يثب من سطح عال أو يصعد مرتقى صعبا أو يحمل نفسه على خوض ماء غزير وهو لا يحسن السباحة أو يساور جملا هائجا أو ثورا صعبا او فرسا لم يرض من غير ضرورة تدعوه إلى ذلك بل مرآة بالشجاعة وإظهار مرتبة الشجعان فهو بأن يسمى مطرمذا مائقا أولى منه بأن يسمى شجاعا. وأما من خنق نفسه خوفا من الفقر أو الذل أو أهلكها بالسم وما أشبهه من باب الضيم فهو بأن يوصف بالجبن أولى منه بأن يوصف بالشجاعة. وذلك أن الإقدام وقع منه بطبيعة الجبن لا بطبيعة الشجاعة فإن الشجاع يصير على مايرد عليه من الشدائد صبرا جميلا ويعمل أعمالا تليق بتلك الحال كما شرحناه فيما تقدم. ولذلك يجب أن يعظم الشجاع ويشح بنفسه وحقيق على السلطان خاصة والقيم بأمر الدين والملك أن ينافس فيه ويجل قدره ويعلي خطره ويميزه عن سائر من يتشبه به ممن ذكرناه. فقد تبين من جميع ما قلناه أن الشجاع هو الذي يستهين بالشدائد في الأمور الجميلة ويصبر على الأمور الهائلة ويستخف بما يستعظمه عوام الناس حتى بالموت لإختيار الأمر الأفضل ولا يحزن على مالا درك فيه ولا يضطرب عندما يفدحه من المصائب ويكون غضبه إذا غضب بمقدار ما يجب وعلى من يجب وفي الوقت الذي يجب. وكذلك يكون انتقامه على هذه الشرائط فإن الحكماء قالوا أن من لاينتقم يلحق قلبه ذبول فإذا انتقم عاد إلى حالته من النشاط وهذا الإنتقام إذا كان بحسب الشجاعة كان محمودا وإذا لم يكن كذلك كان مذموما.