وذلك أن الشجاع خوفه من الأمر أشد من خوفه من الموت ولذلك يختار الموت الجميل على الحياة القبيحة. على أن لذة الشجاع ليست تكون في مبادىء أموره فإن مباديء الأمور تكون مؤذية له لكنها تكون في عواقب الأمور وتكون أيضا باقية مدة عمره وبعد عمره لا سيما إذا حامى عن دينه وعن اعتقاداته الصحيحة في وحدانية الله عز وجل والشريعة التي هي سياسة الله وسنته العادلة التي بها مصالح العباد في الدنيا والآخرة. فإن مثل هذا فكر في قصر مدة عمره وعلم أنه لا محالة يحامي عن دينه ويمنع العدو من استباحة حريمه والتغلب على مدينته ويأنف من الفرار ويعلم أن الجبان إذا اختار الفرار فإنما يستبقي شيئا هو لا محالة فإن زائل وأن تأخر أياما معدودة. ثم هو في هذه الحياة اليسيرة ممفوت مكدر الحياة بالذل وضروب الصغار. وهذه حال الشجاع مع قوى نفسه أعني بمقاومة شهواته واستسلامه لذات الشجاعة بعينها. ومن سمع كلام الإمام صلوات الله عليه الذي صدوره عن حقيقة الشجاع إذ قال لأصحابه: {أيها الناس إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفس ابن أب يطالب بيده لألف ضربة بالسيف على الرأس أهون من ميتة على الفراش} . تبين له أن جميع ما أحصيناه للإنسان ليس بمعدود فيها وإن كان يشبهها بالصورة. ذلك أنه ليس كل من يقدم على الأهوال فهو شجاع ولا كل من لا يخاف من الفضائح فهو شجاع. وذلك أن من لا يفزع من ذهاب شرفه أوف ضيحة حرمه أو عند حدوث الرجفات والزلازل والصواعق أو الزمانة في الأمراض أو عدم الإخوان والأصدقاء أو عند إضطراب البحر وخول الأمواج والهواء الهائج فهو بأن يوصف بالجنون مرة وبالقحة مرة أولى بأن يوصف بالشجاعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015