فلا جرم اضطروا إلى الاعتراف بأن لباب معقولا رجعت إلى ما لو حكي في منام لتعجب منه.
الجواب الثاني هو أن من ذهب إلى أن الأول لا يعقل إلا نفسه إنما حاذر من لزوم الكثرة، إذ لو قال به للزم أن يقال: عقله غيره غير عقله نفسه. وهذا لازم في المعلول الأول فينبغي أن لا يعقل إلا نفسه، لأنه لو عقل الأول أو غيره لكان ذلك غير ذاته ولافتقر إلى علة غير علة ذاته، ولا علة إلا علة ذاته وهو المبدأ الأول، فينبغي أن لا يعلم إلا ذاته، وتبطل الكثرة التي نشأت من هذا الوجه.
قولهم يعقل المبدأ فإن قيل: لما وجد وعقل ذاته لزمه أن يعقل المبدأ.
قلنا: لزمه ذلك بعلة أو بغير علة؟ فإن كان بعلة فلا علة إلا المبدأ الأول وهو واحد، ولا يتصور أن يصدر منه إلا واحد وقد صدر وهو ذات المعلول، فالثاني كيف يصدر منه؟ وإن لزم بغير علة فليلزم وجود الأول موجودات بلا علة كثيرة وليلزم منها الكثرة. فإن لم يعقل هذا من حيث أن واجب الوجود لا يكون إلا واحداً والزائد على الواحد ممكن والممكن يفتقر إلى علة، فهذا اللازم في حق المعلول. إن كان واجب الوجود بذاته فقد بطل قولهم: واجب الوجود واحد، وإن كان ممكناً فلا بد له من علة ولا علة له فلا يعقل وجوده.
وليس هو من ضرورة المعلول الأول لكونه ممكن الوجود فإن إمكان الوجود ضروري في كل معلول. أما كون المعلول عالماً بالعلة ليس ضرورياً في وجود ذاته كما أن كون العلة عالماً بالمعلول ليس ضرورياً في وجود ذاته. بل لزوم العلم بالمعلول أظهر من لزوم العلم بالعلة، فبان أن الكثرة الحاصلة من علمه بالمبدأ محال فإنه لا مبدأ له وليس هو من ضرورة وجود ذات المعلول، وهذا أيضاً لا مخرج منه.
الاعتراض الثالث هو أن عقل المعلول الأول ذات نفسه عين ذاته أو غيره. فإن كان عينه فهو محال لأن العلم غير المعلوم، وإن كان غيره