فدل أن الكلي المجرد عن القرائن المحسوسة معقولة عنده وثابتة في عقله.
وذلك الكلي المعقول لا إشارة إليه ولا وضع له ولا مقدار، فإما أن يكون تجرده عن الوضع والمادة بالإضافة إلى المأخوذ منه وهو محال فإن المأخوذ منه ذو وضع وأين ومقدار، وإما أن يكون بالإضافة إلى الآخذ وهو النفس العاقلة فينبغي أن لا يكون للنفس وضع ولا إليه إشارة ولا له مقدار، وإلا لو ثبت ذلك لثبت للذي حل فيه.
والاعتراض أن المعنى الكلي الذي وضعتموه حالاً في العقل غير مسلم بل لا يحل في العقل إلا ما يحل في الحس ولكن يحل في الحس مجموعاً ولا يقدر الحس على تفصيله والعقل يقدر على تفصيله.
ثم إذا فصل كان المفصل المفرد عن القرائن في العقل في كونه جزئياً كالمقرون بقرائنه، إلا أن الثابت في العقل يناسب المعقول وأمثاله مناسبة واحدة فيقال إنه كلي على هذا المعنى وهو أن في العقل صورة المعقول المفرد الذي أدركه الحس أولاً، ونسبة تلك الصورة إلى سائر آحاد ذلك الجنس نسبة واحدة فإنه لو رأى إنساناً آخر لم يحدث له هيئة أخرى كما إذا رأى فرساً بعد إنسان فإنه يحدث فيه صورتان مختلفتان.
ومثل هذا قد يعرض في مجرد الحس فإن من رأى الماء حصل في خياله صورة، فلو رأى الدم بعده حصلت صورة أخرى، فلو رأى ماء آخر لم تحدث صورة أخرى بل الصورة التي انطبعت في خياله من الماء مثال لكل