ثم لا يزال يفعل كذلك ألف مرة فنحن في المرة الأخيرة نحكم بأن شيئاً من الماء الأول باق وأنه ما من رطل يؤخذ منه إلا وفيه شيء من ذلك الماء لأنه كان موجوداً في الكرة الثانية، والثالثة قريبة من الثانية والرابعة من الثالثة وهكذى إلى الآخر. وهذا على أصلهم ألزم حيث جوزوا انقسام الأجسام إلى غير نهاية، فانصباب الغذاء في البدن وانحلال أجزاء البدن يضاهي صب الماء في هذا الإناء واغترافه عنه.
قالوا: القوة العقلية تدرك الكليات العامة العقلية التي يسميها المتكلمون أحوالاً فتدرك الإنسان المطلق عند مشاهدة الحس لشخص إنسان معين وهو غير الشخص المشاهد فإن المشاهد في مكان مخصوص ولون مخصوص ومقدار مخصوص ووضع مخصوص، والإنسان المعقول المطلق مجرد عن هذه الأمور بل يدخل فيه كل ما ينطلق عليه اسم الإنسان وإن لم يكن على لون المشاهد وقدره ووضعه ومكانه، بل الذي يمكن وجوده في المستقبل يدخل فيه، بل لو عدم الإنسان يبقى حقيقة الإنسان في العقل مجرداً عن هذه الخواص، وهكذى كل شيء شاهده الحس مشخصاً فيحصل منه للعقل حقيقة ذلك الشخص كلياً مجرداً عن المواد والأوضاع حتى تنقسم أوصافه إلى ما هو ذاتي كالجسمية للشجر والحيوان والحيوانية للإنسان وإلى ما هو عرضي له كالبياض والطول للإنسان والشجر، ويحكم بكونه ذاتياً وعرضياً على جنس الإنسان والشجر وكل ما يدرك لا على الشخص المشاهد،