اعلم أنَّ الاستدلال بالأمر على الوجوب له مقامان
أحدهما تحقُّق الأمر وثبوته فإن كانت الصيغة صريحة مثل قوله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ [النساء 58] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [النحل 90] يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ [الأعراف 157] ونحو ذلك فلا كلام وإن كانت الصيغة ظاهرة وهي صيغة افعل وليفعل ونحوهما وصيغةُ الخبر إذا اسْتُعِْملت بمعنى الأمر كقوله وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ [البقرة 233] فالذي عليه عوامُّ الخلائق أن مقتضى هذه الصيغة ومعناها الطلبُ والاستدعاء وأنِها بمطلقها أمر ولا يُصْرَف عنه إلا بقرينة وذهبت الواقفة إلى أنها مترِّدَة بين الأمر وبين سائر المعاني التي اسْتُعْمِلت فيها من الإباحة والتهديد والتعجيز والتكوين والتسخير والتسوية والتمني والدعاء وغير ذلك من المعاني
ثم منهم من جزم بالاشتراك ومنهم من توقَّف وليس هذا الخلاف مما يُلْتفتُ إليه في الأمور العلمية فإنَّا باضطرار نعلمُ أن هذه الصيغة إذا تجرَّدت عن القرائن فإن معناها الاستدعاءُ والاقتضاءُ
ثم تلك المعاني هل فيها هذا المعنى وهو الاستدعاء والاقتضاء أو في بعضها بحيث تبين العلاقة بين الحقيقة والمجاز أو يثبت التواطؤ وليس فيها شيء من معنى الطلب فيه بحوث دقيقةٌ ليس هذا موضِعَها وإثبات هذا المقام سهل وعليه تُبْنى صيغة افعل