والاستدلالِ بالأدلَّة العامّةِ حيثُ لها دلالةٌ على وجهٍ يَستلزمُ الجمعَ بينَ النقيضَينِ مع الإحَالةِ والإطالةِ وذلك من فِعْلِ غالطٍ أو مغالطٍ للمُجادِل وقد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أُغْلُوطَاتِ المسائلِ نَفَقَ ذلك على الأَغْتَام الطَّمَاطِم ورَاج رَوَاجَ البَهْرَج على الغِرِّ العَادِم واغْتَرَّ به بعضُ الأَغْمار الأعاجم حتى ظَنُّوا أَنه من العلم بمنزلةِ الملوم من اللازم ولم يَعَلموا أنه والعِلْم المُقَرَّب مُتَعانِدانِ مُتَنافِيان كما أنه والجهل المركَّب مُتصَاحِبان مُتَآخِيانِ
فلمَّا استبانَ لبعضِهم أنه كلامٌ ليسَ له حَاصِلٌ ولا يقومُ بإحقاقِ حقٍّ ولا إبطالِ باطلِ أخذَ يَطلُبُ كَشْفَ مُشْكِلِه وفَتْحَ مُقْفَلِهِ ثمَّ إبَانَةَ عِلَلِه وإيضاحَ زَلَلِه وتحقيقَ خَطَئِه وخَلَلِه حتى يَتبيَّنَ أنَّ سَالِكَه يَسلُكُ في الجَدَلِ مَسْلَكَ اللَّدَدِ ويَنْأَى عن مَسَالِكِ الهُِدَى والرَّشَدِ ويَتعلَّقُ من الأصولِ بأذْيالٍ لا تُوصِلُ إلى حقيقةٍ ويَأخُذُ من الجَدلِ الصحيح رُسُومًا يُمَوِّهُ بها على أهلِ الطريقةِ ومع ذلك فلا بُدَّ أن يَدْخُلَ في كلامِهم قَواعِدُ صحيحة ونُكَتٌ من أصولِ الفِقْهِ مَلِيحة لكنْ إنما أخذوا ألفاظَها ومَبَانِيها دون حقائِقِها ومَعَانِيها بمنزلةِ ما في الدرهمِ الزائفِ من العَيْنِ ولَولا ذلك لما نَفَقَ على مَن له عَيْنٌ
فلذلك آخُذُ في تمييزِ حقِّه من باطلِه وحَالِيْهِ من عَاطِلِه بكلام مختصرٍ مُرتَجَلٍ كتيَه كاتبُه على عَجَلٍ والله الموفِّقُ لما يُحِبُّهُ ويَرضَاهُ ولا حَولَ ولا قوةَ إلاّ بالله