ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي حديث آخر: (مع كل وضوء) فدل ذلك دلالة واضحة على أنه لو أمرهم به لأصبح واجبًا ولتحققت به المشقة، لكن لم يأمرهم لوجود المشقة، مما يدل على أن الأمر يفيد الوجوب وهذا من أوضح الأدلة.
ومنها: أن العبد إذا خالف أمر سيده فعاقبه لم يلم على عقابه باتفاق العقلاء، ولولا إفادة الأمر المجرد والوجوب لاتجه لوم السيد في هذه الصورة، لكنه لا يتجه فدل على أن إفادة الأمر المجرد للوجوب وهو المطلوب.
إذا علم هذا فليعلم أن هذه القاعدة مطردة في جميع الفروع، فلا يشذ منها شيء فكل أمرٍ ورد بصيغته المقررة عند الأصوليين سواءً في قرآنٍ أو سنة فالواجب بمقتضى الأدلة هو حمله على الوجوب مباشرة بحيث يثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه، إلا إذا اقترنت بهذا الأمر قرينة تصرفه عن بابه إلى شيء آخر سواءً كانت قرينةً متصلة أو منفصلة فإننا نحمل الأمر في هذه الحالة على ما دلت عليه هذه القرينة. وإليك الفروع حتى تتضح القاعدة أكثر: فمنها: الأمر بالصلاة والزكاة والحج والصوم وبر الوالدين كل ذلك واجب بقوله تعالى: {وَأقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فحجوا) . وقوله تعالى: {كتب عليكم الصيام} (?) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (صوموا لرؤيته) . وقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (بروا آباءكم) فكل هذه أوامر محمولة على الوجوب؛ لأنه الأصل فيها ولعدم وجود قرينة صارفة.