القاعدة الثانية والعشرون
وبالقرينة يفيد ما تفيده القرينة
هذا هو الأصل الذي ينبغي مراعاته وهو قول الجمهور، أن الدليل إذا خرج مخرج الأمر فإنه يحمل على الوجوب إلا إذا اقترنت به قرينة تخرجه عن هذا الأصل إلى غيره فينصرف من الوجوب إلى ما دلت عليه هذه القرينة من إباحة أو ندب. ونعني بالأمر هو طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء، ولا يشترط له الإرادة خلافاً للمعتزلة، ولا يشترط لإفادته الوجوب اقترانه بعقوبة لتاركه، أو اقترانه بثواب لفاعله، بل إنما يدل على الأمر بمجرد صيغته وهي (افعل) وما تصرف منها.
والذي يدل على ذلك أي على أن الأمر المطلق يفيد الوجوب أمور:
منها: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِيْنَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ} فتوعد على مخالفة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعذاب، والوعيد لا يكون إلا على ترك واجب فدل على أن امتثال أمره واجب وهو المطلوب.
ومنها: قوله تعالى: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} فتوعدهم بالويل بقوله: (ويل يومئذٍ للمكذبين لأنهم خالفوا الأمر ولم يركعوا مما يدل على أن الأمر كان واجبًا.
ومنها: قوله تعالى: {اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ ألا تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ … الآية} فذم إبليس وعاقبه بالعقوبة المعروفة لأنه ترك السجود لآدم تحيةً، وذلك ذم على مخالفة الأمر المجرد فدل على أنه يقتضي الوجوب.