والله أعلم.
وخلاصة الكلام أن كل عبادة لا تصح إلا بإخلاص ومتابعة، والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد.
القاعدة السادسة عشر
اعلم أن الشريعة عندنا قسمان: إما مأمور به وإما منهي عنه ولا ثالث لها، والمأمور به إما أمر استحباب وإما أمر إيجاب، والمنهي عنه إما نهي كراهة وإما نهي تحريم، وهذه القاعدة خاصة بالمنهيات فيدخل فيها نصف الشريعة إذا علمت هذا فاعلم أن الله جل وعلا إذا حرم علينا فعلاً أو قولاً من الأفعال والأقوال، أنه لا يجوز فعله ولا الإقدام عليه، لكن لو فعله أحد فهل يأثم أو يترتب عليه ما يترتب على فعله؟
الجواب: أن يقال قبل الحكم بالتأثيم وترتيب ما يترتب عليه كالكفارات والحدود ونحوها يجب علينا أن ننظر في ثلاثة أمور راجعة إلى المكلف فإذا تحققت فيه أجرينا عليه آثار فعل المنهي من الإثم والعقوبة، وإن تخلف واحد منها فإن ارتكابه للنهي لا تترتب عليه آثاره، وهذا عام ومطرد في كل الفروع ولا يشذ منه فرع إلا بدليل.
الأول: العلم: أي أن يعلم المكلف أن هذا الفعل أو هذا القول منهي عنه، فإذا قاله أو فعله ولم يعلم حكمه ومثله يجهل كحديث الإسلام أو من نشأ ببادية بعيدة عن العلم والعلماء أو كان فعله وقاله ويغلب على الظن أنه لا يأثم به، فهذا لا يؤاخذ بفعله للمنهي عنه أبداً لأن الشريعة أمرًا ونهيًا لا تثبت في حق المكلف إلا إذا علمها، ودليل اشتراط هذه الشرط أمور:
منها: قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} فالله عز وجل نفى أن يعذب أحدًا إلا بعد بعثة الرسل لتقوم الحجة على الناس، ومن لا يعلم الحكم ومثله يجهل فالحجة الرسالية لم تقم عليه بعد، ومن لم تقم عليه الحجة الرسالية فإن الله لا يعذبه.