ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - للشباب الذين سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عبادته فلما أخبروا بها فكأنهم تقالوها، فقال أحدهم: أما أنا فأقوم ولا أنام. وقال الآخر: وأنا أصوم ولا أفطر. وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء. فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا أما إني لأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) ، والأدلة على ذلك كثيرة جدًا وفيما مضى كفاية لمن أراد الهدى، وإليك الفروع حتى يتضح تطبيقها:
فمن ذلك: مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات فإن مبناه على العدل والوسطية بين مذهب التعطيل والتمثيل، فمذهبنا إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل فلا إفراط كأهل التمثيل ولا تفريط كأهل التعطيل.
ومن ذلك: مذهبنا في القدر أيضًا مبناه على العدل والوسطية بين فرقة الجبرية وفرقة القدرية كما هو معروف.
ومنها: مذهبنا في آل البيت نحبهم خلافًا للخوارج ولا نفرط في حبهم خلافًا للشيعة.
ومنها: مذهبنا في مرتكب الكبيرة فهو وسط بين الوعيدية والمرجئة فلا نعطيه الإيمان المطلق كالمرجئة، ولا نسلبه مطلق الإيمان كالوعيدية، وكذلك في الآخرة لا نحكم له بالجنة ولا بالنار وإنما هو تحت المشيئة إن شاء غفر له وأدخله الجنة ابتداءً، وإن شاء عذبه بقدر كبيرته وأدخله الجنة انتقالاً، والله أعلم.
هذا من ناحية الأصول أو العقائد، وأما من ناحية الأحكام فإليك بعض الفروع:
فمنها: أن بعض الناس يتعبدون لله بقيام الليل كله وبصيام الدهر كله فنقول: ليس هذا من الشريعة في شيء، بل العدل الذي جاءت به السنة قيام بعض الليل وصيام بعض الدهر ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا صام من صام الدهر) .