ومنها: من اجتهد في مسألة من مسائل العلم، وبذل وسعه في الوصول إلى الحق وعمل به، فإنه مأجور مشكور، فإن أصاب الحق فله أجران أجر على اجتهاده، وأجر لإصابته الحق، وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد ولا ضمان عليه في خطئه، بل إن ما فعله مما أداه إليه اجتهاده لا ينقض إن كان عقدًا، ولا يبطل إن كان عبادة، فالاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد. ولذلك قال العلماء: (كل مجتهد مصيب) ، وهذا الكلام صواب باعتبار أن كل من اجتهد وبذل وسعه فقد فعل ما هو الواجب عليه، فهو مصيب من هذا الجانب، أما أنه مصيب باعتبار الحق عند الله تعالى فهذا مجانب للصواب، وإن قال به بعض الكبار؛ لأن الحق واحد لا يتعدد.
ومنها: قاعدة عدم تضمين الأمناء كالمودع والملتقط والوكيل والمستعير ونحوهم ممن تدخل تحت يده أملاك الغير فإنه إذا تلفت عنده فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون قد بذل وسعه وجهده في حفظها لصاحبها ولكن الله قدر عليها التلف لا بتفريط منه ففي هذه الحالة لا ضمان عليه؛ لأن كل من بذل ما في وسعه فلا ضمان عليه.
وإما أن يكون قد فرط فيما يجب عليه من الحفظ ولم يبذل جهده في ذلك فإنه يضمن حينئذٍ بتفريطه فيما هو واجب عليه.
ومنها: إذا اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة ولم تتميز ولا بدل لها، فإن الواجب عليه هو الاجتهاد وبذل الوسع في التعرف على الطاهر منها، فإذا أداه اجتهاده وبذل وسعه إلى أن الطاهر هو هذا الثوب فإنه يصلي فيه ولا بأس، فإن تبين بأخرةٍ أنه صلى في الثوب النجس فلا إعادة عليه؛ لأنه فعل ما في وسعه واتقى الله ما استطاع، وكل من فعل ما في وسعه فلا ضمان عليه، بل ومن فضل الله عليه أنه يكتب له صلاة من صلى في ثوبٍ طاهرٍ أي أن صلاته لا تكون ناقصة في أجرها عن صلاة من صلى في ثوبٍ طاهرٍ.