ومن الأدلة أيضاً: قوله تعالى لأهل الربا: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} وقال: {وَإنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} فأهل الربا استعجلوا زيادة أموالهم - أي هم يريدون زيادتها - وهذا أمر مشروع لكنهم سلكوا لزيادتها طريقًا محرمًا وهو الربا فاستعجلوا ما هو مشروع لهم بتحصيله بطريق محرم فعاقبهم الله تعالى بمحق هذه الزيادة معاقبة لهم بنقيض قصدهم، وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ} فأموال أهل الربا أموال ممحوقة البركة حسًا ومعنىً، وعلى هذا يقاس جميع المكاسب المحرمة.
ومن الأدلة أيضًا: حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون من أعطاها مؤتجرًا بها فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شيء) رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم، فعلى القول بثبوته فإن هذا الرجل الذي منع زكاة ماله هو يريد نماءه بذلك وظن أن الزكاة تنقصه فمنعها، فعوقب بنقيض قصده وهو أنه أخذت منه قهرًا وأخذ منه معها شطر ماله تعزيرًا؛ لأن من استعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه فحرم من زكاة ماله وحرم من شطره أيضًا، والله أعلم.
ومن ذلك: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الراشي والمرتشي) رواه أحمد وأبو داود وصححه الترمذي.
والمرتشي أخذ المال من غير حله استعجالاً لنماء ماله فعوقب باللعنة وبتعزيره بأخذها منه، فهذه الأدلة وغيرها تفيدك دلالة قاطعة على أن الإنسان إذا استعجل حقه أو ماله بالطريق المحرم شرعًا أنه يعاقب بنقيض قصده وهو حرمانه من ذلك الذي صار سببًا لوقوعه في المحرم.