ومن ذلك: قوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأنْتُمْ حُرُمٌ} فحرم الله تعالى الصيد البري حال الإحرام ثم قال: {وَإذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} فأمر به بعد الإحلال، فالأمر بالصيد بعد الإحلال أمر بعد حظر، فنقول يرجع إلى ما كان يفيده قبل الحظر، فنظرنا فوجدنا أن الصيد مباح قبل الحظر فقلنا إن الأمر بالصيد إذًا بعد تحريمه يفيد الإباحة لأنه كان مباحًا قبل تحريمه.
ومن ذلك: قوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} فالأصل أن البيع جائز ثم حرمه الله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة أي النداء الثاني الذي يعقبه الخطبة ثم أمر به في قوله: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} وهذا الأمر بالانتشار والابتغاء من فضل الله يفيد الجواز؛ لأنه كان يفيده قبل تحريمه، والأمر إذا ورد بعد حظر أفاد ما كان يفيده قبل الحظر.
ومن ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) فالأصل أن زيارة القبور كانت جائزة أو مستحبة ثم نهى عنها ثم أمر بها في قوله: (فزوروها) فهذا الأمر يفيد الإباحة أو الاستحباب؛ لأنه كان يفيد ذلك قبل الحظر.
ومن ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فادخروا ... ) الحديث. فالأصل أن ادخار شيءٍ من لحم الأضحية جائز ثم نهي عنه من أجل الداقة أي الفقراء الذين نزلوا المدينة، ثم أمر به في قوله: (فادخروا) فهذا الأمر يفيد الإباحة لأنه كان مباحًا قبل الحظر.