القاعدة الثانية والخمسون
وهذا رواية عن الإمام أحمد وهي الموافقة للأدلة من الكتاب والسنة وهي أرجح من قول بعضهم: (الأمر بعد الحظر يفيد الإباحة) فإنه يشكل عليه كثير من الأدلة ورد فيها الأمر بعد الحظر ولا يفيد الإباحة ونعني: (بالأمر بعد الحظر) أنه إذا حظر الشارع قولاً أو فعلاً ثم عاد فأمر به، فهذا أمر بعد حظر كأن يقول مثلاً: (لا تزوروا القبور) ، ثم يقول: (زوروها) ونحو ذلك، فهذا الأمر الذي أعقب الحظر ماذا يفيد؟ هل يفيد الوجوب كما كان يفيده لو لم يرد بعد حظر؟ أم أنه يفيد الندب أم يفيد الإباحة؟ أم يفيد حكمه قبل الحظر؟ في هذه المسألة خلاف بين الأصوليين والصواب هو مقتضى هذه القاعدة وهو أن الشارع إذا حرم شيئاً من الأقوال ثم أمر به فإنه يرجع بعد فك الحظر عنه إلى حكمه الأول، فإن كان قبل الحظر واجباً فهو بعد الحظر واجب وإن كان سنة فهو سنة وإن كان قبل الحظر مباحاً فهو بعد الحظر مباحًا.
وهذا هو الموافق للأدلة، وهي كثيرة:
فمن ذلك: قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} فقتال المشركين كان واجبًا قبل الأشهر الحرم ثم حرمه الله في الأشهر ثم أمر به مرةً ثانية بعد انسلاخ الأشهر الحرم فقوله: {فاقتلوا} يفيد الوجوب؛ لأنه كان واجبًا قبل الحظر، ولا يمكن أن يقال هنا إنه مباح على قول من قال إنه يفيد الإباحة، فإن قتال الكفار يعلم من الدين بالضرورة أنه واجب، فلما فُكَّ الحظر عاد الحكم إلى ما كان يفيده قبل الحظر.