ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فبين في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية ولهذا لا يكون عمل إلا بنية، ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه، وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال، فمن نوى بعمله شيئاً فإنه إنما يحصل له ما نواه ويحكم عليه بمقتضاه.

فإذا علم هذا فقد يثور في بعض الأذهان إشكال على هذه القاعدة وهو قولهم: أنتم قررتم أن المقاصد لها تأثيرها في صحة العقود والأقوال والأفعال وبطلانها وتحليلها وتحريمها وحكمتم على الناس باعتبار نياتهم ومقاصدهم ونحن باستقراء الأدلة الشرعية نجد المنع التام من الحكم على الناس بالنظر إلى سرائرهم؛ لأنها من جملة الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ومن أصول أهل السنة والجماعة أننا نحكم على الظواهر ونذر السرائر إلى الله تعالى، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) وعتب على أسامة بن زيد لما قتل الذي قال: لا إله إلا الله مع أن ظاهره يدل على أنه إنما قالها خوفًا من السلاح لكن هذا الأمر أمر باطني وكان مأمورًا أن يحكم عليه بما ظهر منه ويكف عنه، وقال – عليه الصلاة والسلام -: (إنما أقضي بنحو ما أسمع) وكان يحكم على المنافقين بما يظهر منهم ولا يتعرض لما يبطنونه من الكفر وسيئ القصد، فالمقاصد أمرها إلى الله تعالى ونحن مأمورون أن نحكم على الناس بما يظهر منهم، فكيف تقولون إن القصود في العقود معتبرة؟ أقول: هذا سؤال مهم جيد، والجواب عليه أن يقال: نعم إن الأدلة التي ذكرتموها لا غبار عليها صحة ولا استدلالاً فإنها تفيد أن المقاصد والنيات إنما يعلمها الله وحده لا شريك له وأنه لا يعلمها إلا هو جل وعلا لكن عليكم أن تنظروا إلى أدلتنا فإن فيها أكبر دلالة على اعتبار المقاصد في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015