فمن ذلك: قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} أي في زمن العدة {إنْ أرَادُوا إصْلاحًا} وهذا عقد الرجعة وهو خاضع لرضى الزوج، لكن الله تعالى شرط ذلك بإرادة الإصلاح دون قصد الإضرار، فعلق أحقية الزوج برجعة زوجته بإرادة الإصلاح، ويفهم منه أن الزوج إذا ظهرت منه قرائن تدل على إرادته بالرجعة مجرد الإضرار بزوجته أنه يمنع من ذلك ولا يمكن منه، وهذا نص صريح في اعتبار المقاصد.
ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لعن الله المحلل والمحلل له) مع أن المتعاقدين لا يذكران في ألفاظهما التحليل، وإنما يذكران ألفاظ النكاح المعروفة، لكن لما كان المقصود من هذا العقد مجرد تحليل المطلقة البائن بالثلاث لزوجها عوملا بمقاصدهما. فهو في الظاهر عقد نكاح لكن في الباطن والمقاصد عقد تحليل فحكم عليهما باللعنة للنظر إلى مقاصدهما، مما يدل على أن الاعتبار في العقود إنما هو المقاصد.
ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة: (من تزوج امرأة بصداق ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زانٍ، ومن أدان دينًا ينوي أن لا يقضيه فهو سارق) وروى البخاري من حديث أبي هريرة أيضًا: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) فأنزل الناكح الذي ينوي أن لا يؤدي الصداق لمنكوحته أنزله منزلة الزاني؛ لأن الزاني يستحل الفرج بلا عوض مع أن صورة العقد صحيحة في الظاهر، لكن بالنظر إلى نيته وقصده حكم عليه بذلك، والذي يأخذ أموال الناس بعقد مقارضة أو غيره ويريد أن لا يؤديها إليهم فإنه بهذه النية سارق؛ لأن السارق هو الذي يستحل أموال الناس بلا عوض ولا رضىً مع أن صورة العقد في الظاهر أنها عقد دين أو مقارضة لكن لم ينظر إلى مجرد اللفظ والمبنى، وإنما نظر إلى المقصد والمعنى والباعث.