ومنها: طلب الماء قبل التيمم فإن الفقهاء – رحمهم الله تعالى – نصوا على وجوب الطلب فقالوا: (من دخل عليه وقت الصلاة وهو عادم للماء فعليه أن يتحراه في مضانه فيفتش عنه في رحله ويستبرئ الأمكنة القريبة المجاورة له وإن وجده يباع بثمن مثله أو بزيادة يسيرة عن ثمن المثل بماله وجب عليه شراؤه ذلك لأن هذا البحث والطلب يتحقق به إقامة الواجب الذي هو الطهارة للصلاة بالماء، فصار هذا الطلب واجبًا؛ لأنه وسيلة إلى واجب) .
ومنها: إقامة الحدود بأنواعها فإنها وسيلة لحفظ الضرورات الخمس فلا يتحقق حفظ النفس إلا بالقصاص فصار واجبًا لأنه وسيلة لواجب، ولا يتحقق حفظ الأعراض إلا بإقامة حد القذف وحد الزنا فصار واجبًا؛ لأنه وسيلة إلى واجب، ولا يتحقق حفظ الأمن واستقرار الناس إلا بإقامة حد قطاع الطريق والبغاة، ولا يتحقق حفظ العقول إلا بإقامة حد الخمر، ولا حفظ الأموال إلا بإقامة حد السرقة وهكذا فصارت إقامة هذه الحدود من باب الواجبات؛ لأنها وسائل إلى الواجب والوسائل لها أحكام المقاصد.
ومنها: النكاح يكون واجبًا إذا قدر الإنسان عليه ماليًا وخاف على نفسه العنت كما قاله الفقهاء، ذلك لأن المحافظة على النفس من الوقوع في المحظور واجب ولا يتحقق هذا الواجب إلا بالزواج فكان واجبًا لأنه وسيلة إلى واجب. والفروع كثيرة ويكفي اللبيب الإشارة، والله أعلم.
القاعدة الثانية: (ما لا يتم الحرام إلا به فهو حرام وتركه واجب) : ومعناها: أن جميع الوسائل المفضية إلى الحرام حرام لأن بها يتحقق الحرام ولا يمكن أبدًا أن تحرم الشريعة شيئًا وتفتح الأبواب التي تفضي إليه؛ لأن هذا ينافي الحكمة، والشارع حكيم عليم، فكان من مقتضى الحكمة أنه إذا حرم شيئًا حماه بسياجٍ منيع وذلك بسد جميع الأبواب المفضية إليه، فوسائل الحرام حرام وإذا كانت حرامًا فتركها حينئذٍ واجب.
وإليك بعض الفروع لتتضح أكثر: