ومن الأدلة أيضًا على ذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر بيان كثير من الأحكام إلى وقت الحاجة، فمن ذلك: أنه أخر بيان قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ... } فاقتضت الآية أن جميع الغنيمة لهذه الأصناف، ثم بين بعد ذلك أن السلب للقاتل، وأن المراد بذي القربى بنو هاشم، وبنو المطلب بن عبد مناف وإخوته هاشم ونوفل وعبد شمس، وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنا وبني المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام) .
ومنها: قوله تعالى: {وَآتَوْا الزَّكَاةَ} فقد بينه - صلى الله عليه وسلم - مؤخرًا بقوله: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر، وفيما سقي بالسواني نصف العشر) وقال: (في كل أربعين شاة شاة) وبين نصاب الإبل والبقر والذهب والفضة وعروض التجارة والركاز وغيره من الأموال الزكوية، فكل ذلك يُعَدُّ بيانًا لقوله تعالى: {وَآتَوْا الزَّكَاةَ} .
ومنها: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} فإنه - صلى الله عليه وسلم - أخر بيانه بفعله إلى أن حج حجة الوداع فكان كلما انتهى في حجته من نسك قال: (خذوا عني مناسككم) .
ومنها: قوله تعالى: {وَأقِيمُوا الصَّلاةَ} فإنه قد بينه جبريل - عليه الصلاة والسلام - بفعله في اليومين، وكل ذلك كان متأخرًا عن وقت الخطاب، كما في حديث نافع بن جبير بن مطعم قال أخبرني ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أمني جبريل …) الحديث الطويل، وفي آخره أنه قال له: (يا محمد الوقت بين هذين) وهذا كله حصل متأخرًا.