ومنها: اشتراط بعض الفقهاء الماء لإزالة النجاسة فقالوا: ولا تزال النجاسة بغير الماء وهذا اشتراط في عبادة والأصل فيه التوقيف فرجعنا إلى دليل هذا الشرط فوجدناه لا يصلح لذلك وذلك لأن الشارع أمر بإزالة بعض النجاسات بغير الماء، بل بالحجر كما في الاستجمار، وبمرور الشيء المتنجس على شيء طاهر كما في ذيل المرأة، وبالشمس كما في حديث مرور الكلاب وبولها في المسجد وبالاستحالة، فعرفنا بذلك أن مقصود الشارع من الأمر بالماء في بعض الأحاديث إنما هو لأنه أفضل ما تزال به العين النجسة لا لأنه شرط، ونحن نقول بذلك، وذلك لأن الماء فيه خاصية لإزالة عين النجاسة أفضل من غيره من المزيلات، وإلا فالمقصود هو إزالة العين النجسة فبأي مزيل طاهر زالت عاد حكم المحل كما كان، بل ونصوا على أن النجاسة لو زالت بنفسها زال حكمها فتبين بذلك أن هذا الشرط لا دليل عليه فالأصل عدمه، والله أعلم.
ومنها: اشتراط الأصحاب وبعض الفقهاء لسجود التلاوة والشكر ما يشترط للصلاة؛ لأنها صلاة عندهم، وهذا اشتراط في عبادة والأصل فيها التوقيف فرجعنا للأدلة فوجدناها لا تدل على ذلك وذلك لحديث ابن عمر قال: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ علينا القرآن فإذا مَرَّ بالسجدة كبر وسجد وسجدنا خلفه حتى لا يجد أحدنا موضعًا) ولم يكن يأمرهم بالوضوء له وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وكذلك سجود الشكر فليس في دليلٍ واحدٍ من أدلة مشروعيتهما ما يوجب الوضوء لها أو ستر العورة أو استقبال القبلة فاشتراط ذلك اشتراط لا دليل عليه والأصل عدمه، ولذلك اختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يشترط لصحتهما ما يشترط للصلاة؛ لأنهما ليسا بصلاة ولكن لاشك أن الساجد لهما بشروط الصلاة أكمل وأفضل لأمرين: للخروج من خلاف العلماء؛ ولأنه أكمل في التعبد، والله أعلم.