رمضان فإنه مباح له مع وجود سبب الوجوب وهو شهود الشهر على ما مر بيانه.
ولكن بعد سقوط حكم السبب بالأجل إلى عدة من أيام أخر حتى إذا مات قبل إدراك العدة لم يكن عليه شيء كما لو مات قبل رمضان، ولو لزمه حكم السبب لما سقط عنه القضاء بالفطر بعذر كما في الفصل الأول، وكالحائض.
وحكها: أن الصوم أفضل لأن السبب قائم وتأخر الحكم بالأجل لا يمنع التعجيل لأنه حقها فيملك التعجيل معه إلا أن تلحقه المشقة فيكون الفطر أفضل لأن الوجوب ساقط عنه شرعًا نفيًا للمشقة عنه فيكون التعجيل مع المشقة ردًا لما أحسن الله تعالى إليه بالإسقاط، فلم يكن حسنًا بخلاف الفصل الأول فإن حكم الله تعالى عليه لازم وعليه القضاء، فلا يكون في الاشتغال في إقامته إيجاب من قبله بل يكون فيه طاعة لله تعالى فما لزمه فكان حسنًا.
وأما المجاز: فأتم نوعيه ما وضع عنا من الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا على ما قال الله تعالى، فتكون فيه عند المقابلة بمن قبلنا توسعة وترفيهًا وإنها معنى الرخصة، ولكن لما لم يكن لعذر فينا بل لعدم الوجوب أصلًا لم يكن رخصة حقيقة لانعدام معنى الموجب للتوسعة الذي يكون به رخصة وكان الاسم مجازًا لوجود صورته.
وأما النوع الآخر: فما ثبت بشريعتنا ثم أسقط أصل الوجوب تيسيرًا علينا بعذر، فمن حيث كان السقوط بعذر للتيسير بعذر كان بمعنى الرخصة.
ومن حيث كان سقوط الحكم لسقوط الوجوب لا رفعًا للحكم بالعذر مع قيام الوجوب لم يكن حقيقة، لأن حقيقته ما كان سقوط حكمه برفع العذر لا لزوال سببه في نفسه.
وهذا مثل السلم فإنه جوز رخصة على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم" فهو رخصة تثبت للمحتاج إلى بيع ما ليس عنده لإعدامه ليدفع به حاجته، فأبيح له وإن لم يكن المبيع عنده بعذر عدمه لكن على طريق سقوط الحرمة عنه، حتى إذا لم يبع سلمًا وتلف جوعًا أثم بربه لأنه لم يكن فيما أتلف نفسه مقيمًا حكمًا من أحكام الله تعالى.
ومن نظيره المسح بالخف بعذر اللبس وزيادة مدة المسح للمسافر بعذر السفر فإن الغسل ساقط لسقوط وجوبه، لأن الخف يمنع سريان الحدث إلى القدمين حكمًا ولا وجوب غسل بلا حدث كما سقطت الأغلال التي كانت على من قبلنا حكمًا بوضع الله تعالى عنا.
ومن هذا القبيل عندنا قصر الصلاة للمسافر، حتى إذا صلى الفجر أربعًا كان كمن يصلي الفجر أربعًا، خلافًا للشافعي فإنه يقول؛ لا قصر إلا أن يختار العبد القصر كما خير