فإن قيل: لو كان وقت الصلاة كيوم الإجارة لما فاتت الصلاة بفوت الوقت كما لا تبطل الإجارة بمضي اليوم.
قلنا: إنما فاتت الصلاة لأن الوقت صار شرطًا للأداء كالطهارة عرف ذلك شرعًا، والصلاة عبادة شرعية لا حسية، واليوم لا يكون شرطًا للخياطة فإنها صفة حسية توجد بدون اليوم وليست بشرعية ومن حكمه أن فرضه لم يتأدى بنية مطلق الصلاة لأن الصلوات المشروعة فيه أنواع، فلا يتعين الواحد من الجملة إلا بدليل معين.
ومن حكمه: أن الصبي إذا بلغ لآخر الوقت بحيث لا يمكنه الأداء فيه لزمه الفرض، لما ذكرنا أن السبب جزء من الوقت وقد أدركه، وبضيق الوقت عجز عن الأداء، والقدرة على الأداء ليس بشرط للوجوب لا محالة على ما مر، وهذا كالمغمى عليه تلزمه الصلاة بالوقت وهو عاجز.
وأما المشكل، وهو وقت الحج: فمن حكمه أنه إذا وجب مضيقًا لا يحل له التأخير عن السنة الأولى عند أبي يوسف، وعند محمد يحل، وعن أبي حنيفة رضي الله عنه فيه روايتان.
لمحمد رحمه الله: أن الحج فرض العمر، والعمر يشتمل على سنين فيها أشهر الحج ما لم يقطع بالموت، والعمر ثابت والموت فيه شك فلا يرتفع الثابت بالشك فيبقى حكمه على الحياة فيصير الوقت متسعًا كوقت الصلاة، وهذا كما قلنا في صيام قضاء رمضان، وصيام الكفارة أن للعبد التأخير لأن قضاء ذلك القدر يجب في العمر كله، والعمر مشتمل على أيام وشهور كثيرة ما لم يقطع بالموت وفيه شك فلم يثبت وبقيت الحياة حكمًا.
ولأبي يوسف رحمه الله: أن الأداء يفوت بفوت وقت الحج لا محالة من تلك السنة، وإنما يرتفع الفوت بإدراكه سنة أخرى، وفي الإدراك شك لأن حال عيشه سنة ليست بالأرجح من موته فيها فلا يثبت الإدراك فيبقى على الفوت حكمًا فيحرم التفويت.
بخلاف ما لا وقت له من العبادات لأن الفوت بموته، ولا فوت للحال لأنه حي، وقد وقع الشك في موته إن أخر لأنه ربما يموت وربما لا يموت فلا يثبت بالشك فيبقى على أن لا فوت.
وبخلاف الصوم لأن الوقت وإن فات بمجيء الليل فلا يعود إلا بالحياة إلى اليوم، وربما يموت فجهة الحياة أرجح لأن الفجاءة نادرة في باب المنايا، وموت الإنسان في قدر ليلة أو يومين أو ثلاثة من الفجاءة ولا يقع إلا نادرًا، ولما ترجح جهة الحياة بقي عليها