ومن الناس من ظن أنه لم يلزمه الأداء لأول الوقت لم يكن الوجوب متعلقاً بأوله، وإنه غلط، لما ذكرنا أن الثبوت في ذمته حقاً للغير غير لزوم الأداء، كما في الدين المؤجل الحق ثابت لصاحبه عليه ولا أداء عليه كذا هذا ثبوت فعل يسمى صلاة في ذمته حق لله تعالى غير الأداء الذي هو تسليم إلى الله تعالى.

وكمن آجر لخياطة هذا الثوب قميصاً في هذا الشهر، صحت الإجارة وصار العمل حقاً عليه لصاحب الثوب والعمل متوسع عليه في الشهر، ولأن الوقت لما توسع وقد شرع للأداء فيه، ولا يقع إلا في بعضه وذلك غير معلوم بالشرع، كان العبد بالخيار في الإيقاع في أي جزء شاء، كما ان الله تعالى لما أمر بتحرير رقبة ولم يعين واحدة يخير العبد في الإيقاع في أي رقبة شاء.

وكمن يقول لعبده: تصدق بدرهم اليوم يخير في ساعات اليوم إلا بدليل آخر يعين عليه البعض دون البعض.

ومن حكمه: أن الخيار لا ينقطع بقول العبد: عينت هذا الجزء، لن الله تعالى لم يفوض إليه ذلك، إنما له الخيار في التعيين بالداء كالمكفر إذا عين رقبة للتكفير لم يتعين ما لم يعين بالإعتاق.

وأما الإفاتة عن الوقت فحرام لأنه بمنزلة الإهلاك لعين مشار إليها، وكان القضاء بعد الوقت غير ما وجب عليه يضمنه من عنده بدل ما أفاته، وهذا حرام في كل حقوق الغير عنده إلا بإذن صاحبه، وهذا التفويت بفوت الوقت حكم كل مؤقت لا حكم الوقت المتوسع.

ومن حكمه: أن الوقت ما بقي بحيث يسع للأداء كان في حكم أول الوقت في حق أن الوجوب على العبد للوقت القائم لا لما مضى، كأن ما مضى لم يكن وقتاً لأن الوجوب لو كان لما مضى، ووقت الوجوب شرط للأداء على ما مر فصارت الصلاة فائتة بمضي وقت الوجوب، فلما لم تصر فائتة علم أنه يؤدي ما لزمه لوقته القائم حتى سقطت الصلاة بكل عذر لو كان قائماً لأول الوقت، أسقطها إذا اعترض بعد التمكن منها من حيض أو سفر او جنون أو موت.

ومن حكمه: أن فرضه لا ينفي صلاة أخرى من نفل او فرض لأن الإيجاب يختص بالذمة حكمة بلا اتصال بشيء آخر سواها وفي الذمة متسع فلم يجز أن ينتفي عن الوقت بسبب الإيجاب عبادة كانت فيها مشروعة قبل الإيجاب، ولا اتصال لحكم الإيجاب به بوجه، ونظيره رجل آجر نفسه من رجل ليخيط له هذا الثوب قميصاً بدرهم اليوم، ثم آجر من غيره، صحا جميعاً لأن العمل استحق عليه في الذمة لا اتصال له بالوقت فلم يضق الوقت عن أخر، وفي الذمة متسع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015