بانعدام المشروع، والنهي تحريم للفعل ثم ينعدم المشروع بامتناعنا عن الأداء فلم يجز أن يجعلا باباً واحداً.
فأما قوله: إن أدنى درجات المشروع أن يكون مباحاً فعله، فكذلك في أصله ولكنه جائز أن يحرم بعارض لا يرفع أصله ولا يفارقه فيحرم بالعارض الذي هو غير مشروع لا بالمشروع، كالطواف مشروع مباح صحيح مندوب إليه، وبعد الجماع يفسد ويبقى مشروعاً فاسداً، فدلنا بقاء الطواف مع صفة الفساد مشروعاً، وهو عبادة بدنية بأي سبب كان الفساد، على أنه ليس بوصف يرتفع به أصل المشروع بمنزلة ملك اليمين حيث لم يرتفع بالحرمة.
ثم أثر الضرورة التي ذكرها الخصم ثابت في حقنا بأن عجزنا عن نقض الحج ولزمنا المضي مع الفساد، وإن كان الفساد سبيله الترك، فأما البقاء مشروعاً مع الفساد فبحكم الله وتقديره، والله تعالى قادر على أن يرفعه به كما رفعه بالإحصار.
والخمر مملوك ملكاً شرعياً وأنه حرام لا يجوز الانتفاع به بوجه.
والصيد المملوك بعد الإحرام ملك، والانتفاع به والتصرف حرام لأن الحرمة تعلقت بوصف زائد عارض وهو الأمر الثابت له بإحرامه أو بالحرم، وأمكن الجمع بينهما لأن ملك التصرف غير ملك الرقبة.
وكذلك الدهن إذا تنجس بمجاورة الفأرة حتى صارت النجاسة صفة لازمة له فبقيت بعد إخراج الفأرة لا يحرم أصل الدهن ولا الانتفاع به إلا ما لا يتأدى مع النجاسة، لأنه لم يغير أصله كالنجاسة بالثوب، بخلاف ودك الميتة لأن النجاسة للعين بالشرع ولا مجاورة بين العين والشرع، والشرع مبدل بأن كان ظاهراً فجعله نجساً بالتحريم، وكذلك النهي عن بيع وشرط، فالنهي جاء لمعنى الشرط وأنه شيء زائد جاوره وصفاً له لازماً لأن الشرط لو كان يصح لصار من حقوقه لازماً إياه قل لزوم أصله فصار حرمتها بسببه مثل حرمة الدهن بسبب النجاسة المجاورة فتغير الوصف إلى حرمة وفساد ولم يتغير الأصل.
وكذلك النهي عن صوم يوم النحر فإنه جاء لوصف زائد في الوقت الذي لا يتأدى إلا فيه وهو اليوم فإنه عين للصوم ضرعاً على مخالفة الليل بأن عين للفطر، ثم عين يوماً للفطر بصفة زائدة وهو العيد فبقي محلاً للصوم بأصل اليوم، ومحلاً للفطر بصفة أنه عيد فبقي الصوم بأصله مشروعاً وبوصفه غير مشروع.
ولا يلزم النكاح بغير شهود فإنه غير موجب للملك لأن الأصل الذي قلنا في النهي عن طلب العقد الذي هو طلب الإعدام من العبد بالانتهاء، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بشهود" إخبار عن عدمه دونهم كقوله: لا زيد في الدار، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة إلا