وإذا قلت: أعط رجلاً درهماً، كنت أمرت بإعطاء رجل نكرة فرجل منكور لأنه مجهول بعدم دلالة المعرفة لا للتعارض وزيد جهل بعد قيام اسم المعرفة بحكم التعارض فتكون النكرة من الجهل كالجهل من الشك.
فتقول: فلان جهل ربه إذا لم يعلمه، وفلان أنكر إذا زاد على الجهل التكذيب والجحد.
ويقال: علمت فلاناً لكنه ليس من معارفي، إذا لم يكن بينكما صحبة.
فعلمت أن المعرفة فوق العلم بزيادة صفة الصحبة للقلب لا بزيادة درجة الثبوت، فإنهما سيان في اليقين.
ثم العلم بعدما يصير معرفة ينقسم إلى ضربين:
علم الظاهر دون المعنى الباطن الذي فيه الحكمة، وعنده يلتذ القلب به ويصير معقولاً له ويجري مجرى الطبيعة فإن العقل مما خلق فينا ورأيه بمنزلة رأي هوى النفس في القبول وسكون الإنسان، فمتى نظر بدلالة عقله ووقف على المعنى الباطن والتذ القلب به بعدما اطمأن إليه صارت المعرفة فقهاً.
والفقه: اسم لضرب علم أصيب باستنباط المعنى.
وضد الفقيه صاحب الظاهر وهو الذي يعلم بظاهر النصوص من غير تأمل في معانيها ولا يرى القياس حجة.
ولو كانا لعلم والفقه سواء لم يكن ضد الفقيه نوعاً من العلماء بل كان ضده الجاهل.
وإلى هذه تناهى حد العلم فيرى القلب أول ما يرى بغالب رأيه من غير يقين فيميل إليه، ثم تزول الشبهة فيصير علماً حقيقة ثم يقر عليه فيصير معرفة ثم ينظر في معناه وحكمته فيقف عليهما فيصير فقهاً وقد فسر عبد الله بن عباس رضي الله عنه الحكمة بالفقه في جميع القرآن.
ولهذا خص بهذا الاسم العلماء الذين يرون القياس حجة لأن القياس لا يكون حجة إلا بالوقوف على المعاني الباطنة.
غير أن الله تعالى يوصف بالعلم وال يوصف بالمعرفة والفقه، لأن العلم يتبدى المعلوم للعالم على حقيقته، والله تعالى لا يخفى عليه شيء فكان عالماً.
والمعرفة والفقه اسما حالي العلم على ما مر، وليس لله تعالى أحوال في صفاته وأسمائه تعالى عن ذلك علواً كبيراً فلا علم لنا إلا بديل.
والدليل قد يكون حسياً وقد يكون عقلياً أي لا يعرف دليلاً إلا بدلالات العقول كالآيات على الله والمعجزات على الرسل عليهم السلام.
فالحسيات مما يشارك البهائم الآدميين في المعرفة الواقعة بها، فإنها تعرف أولادها