واسمه على الخصوص الحق لأنه ثبت بدليله.
وضده الظن إذا ثبت لا عن دليل لكن بهوى النفس.
ثم إذا جد في النظر وفوق للإصابة وزالت الشبهة من كل وجه عن تبدي الحق للقلب صار علماً الذي ضده الجهل.
فصار حد العلم رؤية القلب المنظور فيه كرؤية العين المنظور إليه فالعلم للقلب صفة خاصة كالرؤية للعين.
وقد تستعار الرؤية عن العين للقلب لأن العلم بمعناه.
والرؤية إنما تكون بتبدي المنظور إليه للعني، فكذا العلم بتبدي المنظور فيه للقلب.
والاعتقاد عندنا صفة زائدة للقلب بعد العلم بعلم ثم يعتقد أي: يعقد الإنسان قلبه على ما رأى، وإنما يتبين الشيء بضده فضد العلم الجهل وضد العقد الحل، وحتى أضيف العقد إلى كل شيء، يقال: عقد الحبل فانعقد، كما تقول في ضده: حللته فانحل، والعقد والعزم والقصد في صفات القلب نظائر بعضها فوق بعض، وذلك كله بعد العلم أي بعد رؤية ما يعتقده ويقصده ويعزم عليه.
وكان إبليس على هذا عالماً بالله تعالى غير معتقد أي: غير مؤمن ولا مصدق ولا عامل بعلمه، فإنه للقلب كالطاعة للبدن يعلم بوجوب الصلاة ثم يعمل به فيكون تصديقاً لقلبه على ما علم، وإن ترك كان تكذيباً لقلبه بفعله واسم هذا العلم على الخصوص اليقين الذي هو ضد الشك على الخصوص، وهو ضرب من الجهل.
ثم العلم الأول ما يقع للقلب لا يخلو عن ضرب اضطراب بحكم ابتداء الوقوع كالرجل يدخل داراً أول ما يدخل فيكون على اضطراب بحكم ابتداء الصحبة.
والعين ترى الشيء لأول ما ترى فإذا دامت الرؤية وزال اضطراب البدو صار العلم معرفة؛ كالغريب إذا دخل بلدة وصحب أهلها تثبتت بينهم المعرفة، وإن كان يثبت العلم بأول الرؤية، ولهذا يقال للبهائم: عرفت كذا، ولا يقال علمت لأنها لا تعرف شيئاً إلا بالعيان الذي يزيل كل اضطراب.
والعلم ما يكون بنظر القلب والاستدلال الذي هو دون العيان حتى إذا زال الاضطراب بدوام الصحبة قيل: معرفة، وضد المعرفة الفكرة.
وضد العلم: الجهل.
ثم النكرة بعد المجهول بدرجة فإنك إذا قلت: أعط زيداً درهماً من غير إشارة إلى أحد كنت أمرت بإعطاء رجل مجهول لا نكرة.
فزيد معرفة لغة إلا أنك جهلته للتعارض فإن الزيدين كثيرة.