وكلامنا فيمن لم يبلغه شرع على أن حد الشرع بالبلوغ لبيان أحكام الدنيا وكلامنا في حق الآخرة، وإنهما مختلفان على ما بينا في باب الخطاب وصحة تصرفات الصبي وردته، والدليل عليه قول الله تعالى: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم} ولم يذكر الوحي، وقال: {وجاءكم النذير} وقيل: إنه الشيب، وقال: {أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلف الله السموات} ولم يذكر الوحي بل عاتبهم على ترك التفكر وقال: {سنريهم ءاياتنا في الأفاق} الآية.
أخبر أنه يريهم الآيات حتى يتبين لهم أنه الحق فثبت أن اللبس لا يقع إلا لاستخفاف بالحجة كما يكون بعد دعوة الرسل وعن احتجاجهم بقول الملائكة: {أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات} أنه كلام توبيخ فيكون بأظهر الأمور وأعلاها وتأويل هلاك القرى في الدنيا لأنه لا قرى في الآخرة، وعذاب الدنيا جزاء على تكذيب الرسل زاجراً لا جزاء نقمة على الكفر على ما بينا في مسألة قتل المرتدة ونحوها، ولأنا نسميه غافلاً بسبب فقد الحجة والذي معه عقله غير فاقد الحجة على ما بيناه.
وقوله: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} أي حجة تقال لا حجة تقبل وكذلك آية أخذ الميثاق لقطع حجة تقال على حسن الظن بحالة على تقدير أنه حجة تقبل منه، والله أعلم.
وتأويل قوله:"بظلم"أي بظلم من الكفرة أي لم نهلكهم بظلمهم حتى أرسلنا الرسل وظهر تعنتهم، ولو أهلكنا لكان عدلاً، لكنا أمهلنا إلى حين الرسل فضلاً وبهذا التأويل يخرج عذاب الآخرة أي أخرنا عنهم العذاب إلى بعث الرسل تأكيداً عليهم كما جعلناه بعد الحساب والشهود.