النظر في المعجزة بعد دعوة الرسول بكلام لا تميل في موجبه بحيث يقف على موجبه إذا سمع ببديهة عقله بلا حرج نظر فيصير ذلك الخطاب منبهاً قلبه عن نوم الغفلة إلى التأمل فيما سمع أصدق هو أم كذب.
فأما الآيات الدالة على الله تعالى فساكنة لا تعرف آيات بالحواس، وإنما تعرف بالاستدلال ولا استدلال مع غفلة القلب.
والغفلة بغلبة الهوى والهوى مخلوق من الله تعالى فلا يلزمه الاستدلال ما لم يأت ما ينبهه للنظر والاستدلال من أمر محسوس، وذلك دعوة الأنبياء عليهم السلام فصار هذا القول قولاً بين القولين بين التقصير والغلو فمقصر من أنكر معرفة الله تعالى بدلالات العقول وحدها وغالي من ألزم الاستدلال بلا وحي ولم يعذره بغلبة الهوى وهو من الله تعالى.
وقرب من الإنصاف قال إن الله تعالى يعرف بدلالات العقول وحدها ولكن لا يجب فعل الاستدلال إلا بشرع وألحقه بالصبي.
ونفس العقل لا يفرق بني امرأة عقلت وحاضت لتسع سنين وصبي عقل وبلغ أربع عشر سنة ونصفاً، بل حال الصبي أكم من حال البالغة بحيضها لتسع سنين.
إلا إن في هذا القول ضرب تقصير في إيلاء عذر كهل بلغ أشده وأدرك غامضات أمور الدنيا برأيه وهي لا تنال إلا بجد تأمل ولم يعرف لنفسه خالقاً، وإنه ينال ببداهة العقول فإنه لا يرى بناء إلا وقد عرف له بانياً، ولا نقشاً إلا وقد عرف له نقاشاً ولا صورة جماد إلا عرف له مصوراً فكيف يعذر بعذر رؤيته صوراً حسية في جهله بمصورها وإذا لم يعذر ولا بد أن تقع المعرفة بفاعل الصورة فقد تنبه بعقله للنظر فيلزمه من النظر ما تتم به المعرفة.
وأشبه تنبه ببديهة عقله التنبيه بدعوة النبيصلى الله عليه وسلمالتي هي كلام نص على التنبه فكيف ينكر هذا والله تعالى يحكي عن الكفرة: {ولئن سألتم من خلقهم ليقولن الله} وكذلك لا نرى نحن أحداً من الكفار إلا ويخبر عن الصانع وإنما كان كفرهم بوصفهم الله تعالى بما لا يليق به من الولد والشريك وغل الأيدي ونحوها مما حكى الله تعالى عنها، والعذر بلا خلاف منقطع عن مثله أو كان الكفر بإنكارهم البعث للجزاء.
وكلامنا في نفس الجهل بالصانع عن ذكره وكيف يعذر والجهل جاء من قبل استخفافه بالحجة بعدما لاحت له بلا تميل فالبناء شاهد على الباني بلا تميل في العقول والاستخفاف بالحجة فوق الغفلة عن سكر يقع بالخمر، وإنه لم يعذر به فبهذا أولى بخلاف أول حال العقل لأنه لأول أمره لا ينتبه له كما لا ينتبه له الكبير إلا بجهد وحرج لنقصان العقل وقيام فترة حال الغفلة كالنائم يتنبه فلا يدرك لأول أمره ما يدركه بعد مدة فاستقام أن يعذره الله تعالى برحمته ثم قدر مدة العذر إلى الله تعالى ما يعرف بالعقل.