مال الكتابة لأن ما لا يتعلق به الفكاك لا يتصور قبل العقد وعقداً يتعلق به الفكاك يتصور مع الرق ثم سقوط المطالبة بمال يتعلق به الفكاك عن العبد القن لا يكون خفة إذا قوبل بمطالبة المكاتب بمال الكتابة، لأن ما تحت سقوط هذه المطالبة من ذل الرق فوق هذه المطالبة وما تحت المطالبة بالكتابة من العتاق والنفع الذي فيه فوق نفع سقوط المطالبة فيصير عند اعتبار العاقبة.
والمعنى توجه الخطاب بأداء الكتابة ضرب كرامة وكان من تعاطي أمور الدنيا نظير شرب الدواء للمريض في مقابلة مريض بمريض لا دواء له فلم يسق فلا يكون حطاب المريض الذي يرجى شفاؤه بسقي الدواء تشديداً.
ولا سقوط الخطاب عن الذي لا يرجى شفاؤه تخفيفاً متى تؤمل في معنى السقوط والثبوت بل كان السقوط شدة لأنه سقط ليأس الطبيب عن حياته وكأس المنية أمر من كأس الدواء والذي خوطب بالدواء خوطب للشفاء، ومرارة الدواء تسقط متى قوبلت بحلاوة الشفاء.
فعلى هذا الكافر سقط عنه خطاب الله تعالى بالعبادات ليأسه عن الجنة على كفره، وخوطب المؤمن لاستحقاقه الجنة وشدة النار فوق ثقل الخطاب، وراحة الجنة فوق تعب أداء ما خوطب العبد به، وهذا كما يسقط عن الكفار خطاب الإيمان بعد البعث إذ لو بقي لقبل منهم إذا أجابوا، ولم يكن هذا السقوط تخفيفاً بل تنكيلاً وهذا كما لا يخاطب البهائم والجمادات وليس ذلك لإرادة التخفيف عليها بل لأنها ليست بأهل فكان للإزراء.
ولهذا قال علماؤنا رحمهم الله: بأن من صلى فرض الوقت ثم ارتد ثم أسلم في الوقت أعاد الفرض، وكذلك يعيد الحاج إن كان حج قبل الردة لأنه بالردة صار غير أهل والعبادة كما لا تصح إلا من أهل لا تبقى لغير أهل كملك المال لما لم يثبت للعبد لا يبقى لمن استرق.
وكذلك ملك الأربع من النساء كما لا يثبت للعبد لا يبقى له إذا استرق، ولكن مع هذا كله لم نعد الكفر في ما بيننا مسقطاً لأنه ليس من جملة الأعذار والخطاب ما سقط به تخفيفاً فأما سائر الأعذار فمما يكون بآفات أصلية جبلية أو شرعية فاستقام أن يكون سبب تخفيف، والله أعلم.