وكذلك لو تزوج خمساً ثم فارق الأولى منهم ثم أسلم بقين على الصحة.
ولو وقع فاسداً من الأصل لما انقلب صحيحاً بالإسلام بل كان يتأكد، وكذلك لو تزوج في عدة من كافر أو بغير شهود.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لو تزوج الكافر محرماً ودخل بها لم يسقط إحصانه، وكان بمنزلة ما لو تزوج مجوسية.
كذلك علل في الكتاب الجواب في أهل الذمة في مسائل الجمع والنكاح بغير شهود بلا خلاف، لأن أهل الذمة وإن كانوا في دار الإسلام فالخطاب قاصر عنهم لأن الخطاب إنما يصح بعد ثبوت الرسالة وهم ينكرون الرسالة فلا تصر حجة عليهم بحق الشرع بل بقدر ما عوهدوا عليه.
ولأن الخطاب من الله تعالى أن أمر رسوله بدعوة الكفار إلى الإيمان بالله وبرسوله فإن أبوا فإلى الذمة فيمن جعل لهم الذمة، وإلى أن يتركهم وما يدينون به إلا ما استثني عليهم فإذا دعاهم إلى الذمة بشرطها فقد بلغهم الخطاب الشرع في حقهم فلا يلزمهم ما تبدل من أحكام الله تعالى بهذا الشرع إلا ما استثنى عليهم، لأن الخطاب الأصلي قصر عنهم إلى خطاب الذمة فيبقون فيها على ما كانوا عليه قبل شرعنا، وإن كانت فاسدة كالكفر.
وما لا يحل بحال كانوا فيها على الفساد وإن كانت صحيحة عند الله تعالى كحل أنكحه حرمت بشرعنا، وشرب الخمر ونحوها بقيت كذلك صحيحة، ولهذا لا يحدون على شرب الخمر، وإذا تبايعوا فيما بينهم ثم أسلموا على تلك الأيمان وأقروا بها لا تنتزع من أيدي مشتريها، ولم تنقض تلك البيوع، ولو وقعت فاسدة لأبطلت عليهم بعدها أسلموا وصاروا بحيث لا يقرون على الفساد كما لو زنوا ثم أسلموا.
وقالوا علماؤنا رحمهم الله: إذا أتلف مسلم عليهم الخمر ضمن لهم كما لو أتلف الخل لبقاء الخمر في حقهم على ما كان قبل التحريم.
وإنما قال الشافعي: لا يضمن لأن الحرمة ثابتة في حق المسلم وديانتهم لا تكون حجة على المسلم ولا قصور الخطاب في حقهم يبدل حكم الخطاب في حق من بلغه.
وكذلك إذا أتلف ذمي على ذمي ثم اختصموا إلى قاضينا لا يلزم قاضينا الحكم بما عندهم وجوابنا أنا نحكم بما عندنا، وعندنا أنه مال متقوم في حقهم.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا نفسد نكاحهم المحرم بمرافعة أحدهما لأن ديانة المرافع لا تكون حجة على الآخر، وشبه هذه الفصول مذكورة في كتاب (الأسرار)، والله أعلم.