ولهذا قلنا: يصح إسلامه استحساناً لأن أصل الوجوب كان ثابتاً على ما مر أنه لا يحتمل السقوط بخلاف ما يحتمل السقوط، فإذا جاء الأداء كما وجب كان عن الواجب لا محالة وإن لم يكن مخاطباً بالأداء كالصلاة لأول الوقت، والصوم في السفر، وأداء الدين المؤجل وما للأداء في الشرع حد للصحة إلا أن يعتقد وحدانية الله تعالى عن معرفة، ويشهد بلسانه كما اعتقدوا الخلاف فيما إذا تصور منه ذلك ما لو كان بالغاً.
وأما إذا ارتد فردته صحيحة استحساناً عند أبي حنيفة ومحمد، ولا تصح قياساً عند أبي يوسف.
قال أبو يوسف: لأن الردة من المضار والإيمان من المنافع، فالصبي محجور عن المضار دون المنافع شرعاً في حق أحكام الدنيا.
فأما في حق الآخرة فما ينبغي أن يستحق الجنة وقد اعتقد الشرك وترك اعتقاد الدين الصحيح، والجنة ثمن الدين كما لا يستحق ثواب الصوم إذا أفطر إلا أنهما استحسنا، أي تركا هذا القياس الظاهر فإنه مسلم لهم هذا الأصل فيما يحتمل النسخ والتبديل فيكون الصبا عذراً مانعاً من ثبوت الشرع فلا يصير مشروعاً إذا احتمال أن لا يكون مشروعاً حقاً لله تعالى.
فأما ما لا يحتمل أن لا يكون مشروعاً حقاً مستحقاً لله تعالى، فلا تعتبر فيه المضرة والمنفعة بل يكون مشروعاً في حق الصبي والبالغ على السواء على ما مر وإنما يختلفان في وجوب أداء المشروع فإن الأداء يلزم البالغ دون الصبي وإذا صار الإسلام مشروعاً وجوبه حقاً لله تعالى في حق الصبي لأنه لا يحتمل غير ذلك فكذلك وجوب حرمة الردة، وإذا ثبت الشرع صح الأداء شرعاً فلزمه ما تعلق به من الأحكام الشرعية إلا ما شرع جزاء على الفعل المحظور، لما ذكرنا أن الجزاء المعجل يحتمل أن لا يكون مشروعاً على أن القتل على المرتد عندنا مشروع لصيرورته حربياً لا كافراً حتى لم تقتل المرأة لأنها ليست من أهل الحرب، والصبي بمنزلتها.
فأما حرمان الإرث، وفساد النكاح فليسا بجزاء فعل الردة لا محالة فإنهما يثبتان ببقاء الكفر الأصلي فهذا وجه الاستحسان، والله أعلم.
فإن قيل: أليس أن الصبي يؤدب إذا أساء أفعاله؟
قلنا: التأديب لا يقام جزاء على ما مضى حقاً يجب بإزائه عليه لغيره بل تقويماً في المستقبل حقاً له، ألا ترى أن الدابة تراض وتؤدب تقويماً وإصلاحاً وأنه لتسوية الأخلاق بمنزلة الدواء لطلب الشفاء وبمنزلة الحجامة.
فإن قيل: أليس الصبي يسرق فإن عقوبة جزاء للكف؟
قلنا: إن الاستيلاء على المباح شرع سبباً للملك كما في حق الصيود، وأهل الحرب