الموجود مؤدى حالاً بالقبض وإنما من باب الأموال كدرهم في الذمة من الدراهم المؤداة عيناً فيكونان غيرين لا محالة.
فإن قيل: أرأيت لو مات الوليد قبل أن يعقل حتى لم يقدر على الأداء أتجعله أهلاً لحمل أمانة الله تعالى واستحقاق جزائه في الآخرة؟
قلنا: اختلف في جواب الجزاء أهل الملة روي عن أبي حنيفة أنه توقف في جواب هذه المسألة.
وعن محمد أنه قال: أما أنا فأعلم أن الله تعالى لا يعذب أحداً بغير ذنب، وقد جاءت الأخبار بجنة الأطفال وكونهم شفعاء لآبائهم من المسلمين فأما الاختلاف بينهم في ووقع الحمل عليهم على ما مر واختلافهم في الجزاء لا يدل على اختلافهم في الحمل فالجزاء يقابل الأداء لا حمل الأمانة فإنه يقع علينا بإيجاب الله تعالى شئنا أو أبينا كما بعد البلوغ لا يجب الجزاء بوجوب الصلاة علينا بل بالأداء.
ويحتمل أن يقال: بأن الله تعالى لما حمل الأطفال أمانته بالإيجاب عليهم أهلهم بذلك لاستحقاق الجزاء ولم يؤاخذهم بتركهم الأداء لعذر العجز، وأثابهم كرماً إلحاقاً بالمؤدي حكماً بعذر العجز بمنزلة البائع يدرك وقت الصلاة وهو لا يجد ماء يتطهر به فإنه تلزمه الصلاة، ولا يؤاخذ به إذا مات قبل القدرة على الأداء ويثاب عليه إذا تألم لذلك، وهذا لأن الإيجاب شرعاً مبني على اهر الحال لا على ما يكون في الغيب وبظاهر الحال كل صبي ممن يرجى منه الأداء.
أرأيت طفلاً له أرض عشرية ولا ولي له؟ أليس العشر يلزمه أو الخراج إن كانت خراجية، وإن مات قبل أن يلي عليه أحد أو يقدر بنفسه يسقط، وكم من بالغ يلزمه حقوق الله تعالى ثم لا يقدر على الأداء فيسقط عنه، وكذلك الحرمات الشرعية متعلقة بأسباب كحرمة الأكل بالموت وحرمة النكاح بالنسب والصهر والرضاع.
فإن قيل: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" رفع القلم عن ثلاث؛ عن الصبي حتى يحتلم".
قلنا: رفع القلم لا يدل على رفع الوجوب في الذمة إنما يدل على سقوط أداء الواجب لأن القلم للحساب، والحساب على ترك ما عليه من الأداء لا على الوجوب في الذمة.
فإن الواجب متى تأجل لم يؤاخذ العبد به والوجوب قائم ألا ترى أنه قرنه بالنائم، والنائم يلزمه الصلاة في ذمته.
ولا يلزمه الأداء حتى يستيقظ فكذلك الصبي لأنهم دخلوا جميعاً تحت رفع واحد، والله أعلم.