قلنا: هذا غلط فإن وجوب الحقوق الشرعية كلها بأسباب جعلها الشرع أسباباً للوجوب دون الأمر.
والخطاب كالزكاة بملك النصاب والعشر بالأراضي العشرية والخراج بالأراضي الخراجية، والحج بالبيت، والصلوات بأوصاتها، والصوم بشهر رمضان، والإيمان بالآيات الدالة على الله تعالى، والمهر بالنكاح، والثمن بالشراء، والنفقة بالقرابة ونحوها على ما بينا في باب أسباب حقوق الله تعالى فيما مضى ثم الخطاب بعد ذلك لطلب أداء الواجب بسببه نحو قولك: اشتريت عبداً بألف درهم فأد ثمنه فيكون وجوب الثمن في الذمة بالشراء لا بقوله أد الثمن بل أنه طلب للخروج عن الواجب بالأداء إلى مستحقه فكذا قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} أي: فليؤد الواجب عليه بشهود الشهر.
وقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} أي أدوا ما يلزمكم بأوقاتها.
وهذه الأسباب قائمة في حق الصبي والبالغ على السواء فلا ينبغي أن يقع الفرق بينهما في صحة الوجوب فعلمنا أن سقوط ما يسقط عن الصبي كان بعذر يسقط بمثله بعد البلوغ تيسيراً علينا لا لأنه ليس بأهل له.
وإنما يفارق الصبي الذي لا يعقل العاقل في وجوب أداء ما لزم ذمته فإنه متعلق بالطلب من صاحب الحق بالأمر والخطاب، وغير العاقل ليس من أهلها فلا يلزمه الأداء على ما نذكر بعد هذا.
وهذا كما قيل: إن النائم يلزمه حقوق الله تعالى، ولا يلزمه أداؤها حتى يستيقظ لأنه لا يقدر عليه ولا يعلم به، وهذا لأن الأداء إنما يكون بفعل منا على سبيل الاختيار فلا بد من العلم به ثم القدرة عليه فأما الوجوب في الذمة فصحيح من غير اختيارنا فلم يكن من شرط صحته قدرتنا ولا علمنا به.
فإن قيل: أليس الوجوب للأداء لا لنفسه فكيف جاز الإيجاب على من لا يقدر عليه؟
قلنا: إن الوجوب للأداء لا حال الوجوب بل يجوز بعده بزمان إما أداء، وإما قضاء فصح الإيجاب على من يرجى له قدرة الأداء والقضاء في الجملة والصبي من تلك الجملة كالنائم والمغمى عليه.
فإن قيل: فأي واجب علينا سوى الأداء في باب العبادات البدنية؟
قلنا: إن الوجوب حكم إيجاب الله تعالى علينا بسببه، والواجب اسم لما لزم ذمته بالإيجاب والأداء فعل العبد الذي يسقط الواجب عنه، وإنما هذا بمنزلة رجل استأجر خياطاً ليخيط له هذا الثوب قميصاً بدرهم فيلزم الخياط فعل الخطاية بالعقد، والأداء الخياطة نفسها وبها يقع تسليم ما لزمه بالعقد فكان الفعل المسمى واجباً في الذمة غير