وهذه الضرورة ترتفع بإثبات نفس الحقية لفتواه فبقي الواحد أحق بناء على أصل الشريعة الثابتة بالوحي.
ولهذا استقامت المناظرة ودعوة كل واحد منهما صاحبه إلى حجته مع الإقرار بأن الحق مع كل واحد منهما بقوله إنما قلته أحق ألا ترى أنه لا مناظرة بين المسافر والمقيم في أعداد ركعات صلاتيهما لما ثبتت الحقية على السواء.
وقد روي أن علقمة ومسروقا سبقا بركعتين من صلاة المغرب، فلما قاما إلى القضاء صلى مسروق ركعة وجلس، ثم ركعة وجلس، ثم سلم، وصلى علقمة ركعتين ثم جلس فذكرا ذلك لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: كلاكما أصاب، ولكن صنيع مسروق أحب إلي.
وقال محمد لأبي حنيفة رضي الله عنه: طول القيام أفضل في الصلاة أم كثرة السجود؟ فقال: طول القيام أحب إلي، وكل ذلك حسن.
واتفقوا في صلاة الليل على أن المصلي إن شاء صلى ركعتين وإن شاء أربعا ولا يكره ثم قال أبو حنيفة: الأربع أحسن، وقال صاحباه: ركعتان أحسن.
وأما الحجة على أن الحق عند الله واحد؛ فما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن فقال له: بما تقضي؟ فقال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد فيها رأيي فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي وفق رسول رسوله".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المجتهد "إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر".
وقال عبد الله بن مسعود - فيمن تزوج امرأته ولم يسم لها مهرا ثم مات عنها قبل الدخول بها -: أجتهد فيها رأيي فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن ابن أم عبد.
قالوا: ولأنه ممتنع في العقول كينونة الحظر والإباحة والصوم والفطر حقين يلزمان في ساعة واحدة، لأنه لا يمكن العمل بهما.
ومن جعل الحق حقوقا ما شرع إلا هكذا إذ وجبا بالاجتهاد، وكل اجتهاد يوجب ما يؤدي إليه بلا تمييز بين عبد وعبد ألا ترى أنه امتنع ذلك بالنصين، إذا اختلفا فأباح أحدهما وحظر الآخر لم يجب العمل بهما بل وجب الوقف إلى أن يظهر الرجحان لأحدهما، أو التاريخ.
ولهذا قيل: إذا اختلفت الشرائع انتسخت الأولى بالثانية، وكذلك في شريعة