الممال بحكمه عن الطريق الظاهر إلى الخفي بدليل شرعي لا بهوى النفس فإنه كفر.
وإنما سموه بهذا الاسم لاستحسانهم ترك الظاهر بالخفي الذي ترجح عليه فلما كان العمل به مستحسنا شرعا سموا الدليل به وكان اسما مستعارا كالصلاة سميت باسم ما فيها من الصلاة، وهي الدعاء والثناء والصوم سمي باسم ما فيه من الإمساك.
ولهذا لم نعد هذا الاسم في الأسماء المضلة لأنه على الوجه الذي بينا غير مضل والتقليد والإلهام واستصحاب الحال والطرد على الوجه الذي سميت الأدلة بها مضلة.
ثم الاستحسان:
أ. قد يكون نصا.
ب. وقد يكون ضرورة.
ج. وقد يكون إجماعا.
د. وقد يكون قياسا خفيا.
أما النص: فنحو قول أبي حنفية رضي الله عنه فيمن أكل ناسيا لصومه: لولا قول الناس لقلت يقضي. أي القياس الظاهر يوجب القضاء إلا أني استحسنت تركه بنص خاص ورد فيه بخلاف قياس سائر النصوص الثابتة، والمعقول الضروري في حصول الصوم مع عدم الإمساك عن الأكل وأنه عبارة عن تركه، وهذا لأن النص فوق الرأي فاستحسن تركه به وإن ظهر.
وأما الإجماع: فنحو جواز الاستصناع فيما ظهر تعامل الأمة به من غير نكير والقياس أن لا يجوز لأنه بيع عين بعمله، وهو معدود عينا للحال حقيقة، ومعدوم وصفا في الذمة والقياس الظاهر أن لا يجوز بيع الشيء إلا بعد تعينه حقيقة، أو ثبوته في الذمة كالسلم.
فأما مع العدم من كل وجه فلا يتصور عقد وليس ثم معقود عليه لكنهم استحسنوا تركه بالإجماع الظاهر بتعامل الأمة من غير نكير لأن الإجماع دليل فوق الرأي، وقصروا الأمر عليه لأنه معدول به عن القياس.
وأما الضرورة: فنحو الحكم بطهارة البئر بعد تنجسها.
والقياس يأبى ذلك لأن الدلو ينجس بملاقاة الماء فلا يزال يعود وهو نجس إلا أن الشرع حكم بالتطهر للضرورة لأنه لا يمكننا غسلها بماء طاهر إلا من طريق نزح الماء النجس وخروج الماء الطاهر، فاستحسنوا ترك العمل بموجب القياس بعذر العجز فإن الله تعالى جعله عذرا في سقوط العمل بكل خطاب.