وقال صلى الله عليه وسلم لوابصة وقد سأله عن البر والإثم: "ضع يدك على صدرك فما حال في صدرك فدعه، وإن أفتاك الناس وأفتوك" جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة قلبه بلا حجة أولى من الفتوى عن حجة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن يكن في هذه الأمة محدث فهو عمر" أي: ملهم، كأنه يوحى إليه ويحدث ربه أو الملائكة.
وروينا عن الصحابة أقوالا بخلاف النص وأكثرها عن عمر بالإلهام فكانت حقا، وانتسخ بها ما كان وحيا نزل بخلاف ما كان، إلا أن الملهم متى خالف النص برأيه اليوم رد عليه لأنه لا نسخ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبين بالغلط أنه محروم نور الإلهام من الله تعالى.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ألقي إلي أن ذا بطن بنت خارجة جارية، وما الإلقاء إلا الإلهام.
وأكثر أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام كانوا يلقى في قلوبهم من غير إرسال ملك.
وقالت الأمة فيمن اشتبهت عليه القبلة فصلى بغير تحري بغلبة الظن، أنه لا يجوز، وإذا صلى بتحريه بقلبه أجزته وقلتم أنتم إن صلاته تجزيه، وإن خالف جهة الكعبة بيقين وإذا خالف جهة تحريه لا تجزيه وإن أصاب الكعبة.
وكذلك اللحم الحلال إذا اختلط بالحرام والحلال غالب لم يحل أكله لغلبة الحلال إلا بتحري القلب.
فثبت أن الإلهام حق من الله تعالى، وأنه كرامة لبني آدم عليه السلام، وأنه وحي باطن إلا أنه إذا عصى ربه وعمل بهواه حرم تلك الكرامة وسلط عليه الشيطان فصار الوحي منه، قال الله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك}، وقال: {إنما سلطانه على الذين يتولونه} فثبت أن الآدمي معصوم قبل المعصية عن وحي الشيطان، إلا على سبيل الاستراق فلا يخفى على العبد وحيه عن وحي الملك إلا على سبيل الغفلة التي تعتري القلوب فتزل ثم تنتبه من ساعته فلا تقر عليه فيمتاز له جهة الحق بالقرار عن جهة الباطل، ومثل هذا الالتباس قد يقع للمستدل بالحجج والقياس بالرأي فثبت أن الإلهام باب من أبواب الحجج.
والحجج لأهل السنة والجماعة: قول الله تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصار تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} فألزمهم الكذب بعجزهم عن برهان يمكنهم إظهاره، فلو كان الإلهام حجة لما ألزمهم