وأبو حنيفة رضي الله عنه يقول: إن كان الحبل ظاهر حال قيام الفراش أو كان أقر الزوج به فقد أوجب علة ثبوت النسب بالولادة وبالولادة يظهر ولد كان ثابت النسب فلم يمتنع الظهور لمكان ثبوت الولادة بشهادة المرأة.
وكذلك إن كان النكاح قائما لأن الولادة تثبت بشهادة المرأة والنسب يثبت بعلة قائمة وهي النكاح فلا يصير مضافا إلى شهادتها فأما إذا لم يكن إقرار الزوج، ولا حبل ظاهر ولا نكاح قائم فابتداء الوجود في حقنا إنما يثبت بشهادة المرأة بالولادة لأن ما قبله من الوجود وجود باطن في حق الله تعالى لا سبيل لنا إلى علمه فيعتبر بالعدم في حقنا، كالخطاب النازل من السماء يعتبر عدما في حق من لم يبلغه ولم يقصر في طلبه، وحال البلوغ إليه معتبر في حقه بابتداء الشرع ليكون التكليف بقدر الوسع فكذا هذا.
وإذا اعتبر بالابتداء والعلة غير قائمة للحال بقي مضافا حكما إلى الشهادة فلم يثبت بشهادة القابلة لأنها ليست بحجة على النسب بحيث يضاف إليها.
وكذلك الميراث لا يثبت للولد بشهادة القابلة أنه كان حيا لأن الإرث لا يثبت إلا بكونه حيا، وما قبل الولادة من الحياة أمر باطن لا سبيل لنا إلى علمه فصار الظاهر بعد الولادة في حكم ابتداء الحياة وإنما يثبت وجوده بالولادة فيصير لهذا الشرط حكم العلة من وجه، ولهذا يتعلق الضمان به إذا امتنعت الإضافة إلى ما هو علة.
وأما الشرط الذي هو في حكم العلامة: فالإحصان بعد الزنا فإنه يتبين بالإحصان أن الحد كان رجما، فيصير ثبوت الإحصان علما على موجود واجب قبله فلا يكون لهذا الشرط حكم العلة بوجه، حتى أن أربعة لو شهدوا على زنى، واثنان على الإحصان فرجم المشهود عليه ثم رجع شهود الإحصان وحدهم لم يضمنوا شيئا وإن لم يوجد ههنا سبب ضمان آخر والولادة بعد حبل ظاهر علم على النسب.
وأما الشرط الذي هو شرط صورة لا معنى: فالشرط الخارج على وفاق العادة كقوله تعالى: {وربائبكم التي في حجوركم}، {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا}، {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} لأن العادة جارية بترك نكاح الإماء إلا عند عدم الحرة والعجز عنها، وليس لهذا الشرط حكم ويكون ذكره والسكوت عنه بمنزلة، والفائدة في تخصيص الله تعالى حال الابتلاء بتلك الحادثة في العادات بالذكر كونها أولى بالبيان لأن الحاجة إليها أمس. والله أعلم.