بهما إتلافا هذا كالقتل مباشرة إتلاف والقتل اسم لما يزيل الحياة لا لما يفيت جزءا عينا من الشخص فإنه قطع والقاطع يسمى قاتلا إذا مات منه المجروح، لأن الحياة ليست بعين يمكن أخذها بمد اليد إليها أو إتلافها بالقصد إليها، ولكن علق بقاؤها محفوظة بسلامة البنية فكان نقض البنية وبها قوامها إتلافا للحياة.
فأما الطلاق فمما يحفظ بترك التكلم به وبه يبقى ملك الطلاق للزوج، فإذا تكلم به وعلق بالشرط لم يعتبر الشرط حافظا بل اعتبر مانعا من الوقوع، واعتبر الإرسال عن لسانه إيقاعا وعلة فلم يكن للشرط حكم العلة إذا انفردت العلة وهي الإيقاع.
وعن هذا الأصل اختلفوا في الطلاق المعلق بالولادة إذا أنكر الزوج الولادة، وشهدت القابلة لم تطلق عند أبي حنفية رحمه الله لأن للشرط حكم العلة في إيجاد الحكم فلا يثبت وجود الطلاق بشهادة امرأة.
وهما قالا: الوجوب لا يضاف إلى الشرط فيبقى علامة محضة في حق الوجوب فيثبت بشهادة النساء، ألا ترى أن الزنا إذا أثبت على رجل واختلف في إحصان يثبت الإحصان بشهادة رجل وامرأتين، وإن كان الحد لا يجب بشهادة النساء مع الرجل لأن الوجوب مضاف إلى الزنا والإحصان شرط.
والانفصال لأبي حنيفة أن الإحصان لا يتعلق به الوجوب ولا الوجود بل يتبين بالإحصان أن الرجم كان واجبا.
وقالوا جميعا: إن الزنا إذا ثبت على مسلم واختلف في عتقه وكان عبد نصراني فشهد نصرانيا على مولاه أنه أعتقه صار حرا، ولم يجب الرجم عليه لأن الإحصاء شرط يوجد إقامة الرجم عنده لا أن يتبين الإقامة به ولما كانت الإقامة توجد عند الإحصان صار الوجود على الزاني مضافا إليه.
وشهادة الكافر ليست بحجة في حق المسلم المشهود عليه فلم يعمل في حقه والحق الوجود بالوجوب.
فأما شهادة النساء مع الرجال فحجة في حق الناس أجمع وإنما لها خصوص في حق المشهود بها وهي الحدود، والحد لا يجب بالإحصان ولا يثبت وجود الوجوب به بل يتبين به أنه كان واجبا فكان الإحصان علما مظهرا للواجب شرطا موجدا للإقامة.
وكذلك قال أبو حنيفة رضي الله عنه: إذا ولدت المعتدة وأنكر الزوج الولادة وشهدت القابلة لم يثبت النسب بشهادتها إلا أن يكون الحبل ظاهرا أو كان الزوج أقر بالحبل أو كان النكاح قائما حال الولادة.
وعندهما: يثبت لأن النسب ثبت بالفراش القائم عند العلوق والولادة شرط ظهور الولد قالا فهذه الولادة في حق النسب علم محض مظهر لنسب قد كان.