ومن الأسباب المحضة وجود بعض ما يتم علة بانضمام معنى آخر إليه كأحد شطري البيع، وأحد وصفي علة الربا فهي من الأسباب المحضة، لأن الحكم لا يجب ما لم يتم العلة فكان المبدأ معتبرا لتمامه، وكان كالطريق إليه فلا يضاف الحكم إليه بوجه.
فإن قيل: قد ذكرت أن حد السبب ما يكون بينه وبين الحكم الذي هو سببه محضا علة تامة يضاف الحكم إليها، والجزء الباقي من العلة في مسألتنا قط لا يكون علة بانفرادها.
قلنا: نعم، ولكن العلة لا يجب حكمها ما لم تتم العلة فالوصف الأخير يجعل ما مضى علة فيكون الحكم مضافا إليه وحده ويصير منزلة علة العلة كالرمي علة النفوذ.
والنفوذ علة الإصابة.
والإصابة علة السراية.
والسراية علة الموت.
ولكن لما حدثت العلل المتوسطة بالأولى أضيف الحكم إلى الأولى فكذلك ههنا ما قبل التمام من الأوصاف، إنما تصير موجبة بالوصف الأخير، ثم يجب الحكم بكل العلة فيصير الكل مضافا إلى الوصف الأخير، حتى قالوا فيمن حمل سفينة مائة من، وهي لا تطيق أكثر منها، ثم إن رجلا طرح فيها منا زائدا فغرقت السفينة، ضمن طارح المن جميع السفينة بمنزلة ما لو طرح الأمناء كلها.
وقال علماؤنا - رحمهم الله - فيمن أصاب من الماء قدر ما لا يكفيه لوضوئه: أنه يتيمم ولا يبالي بذلك الماء كأنه نجس أو لم يجد شيئا وذلك لأن التراب جعل طهورا شرعا بشرط عدم ماء طهور في حق الصلاة.
وحكم الطهارة في حق الصلاة لا يتجزأ ثبوته بل يثبت جملة فإن الحكم إباحة أداء الصلاة وهذا حكم لا يتصور تجزيه وكان بعض الماء بعض علة ليصير علة، طهورا للصلاة عند تمامه فكان في حكم السبب المحض ماله حكم العلة المانعة من التيمم بوجه.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله: إن الأشربة التي حرمت لعلة السكر، لا يحرم منها القليل لأن السكر مضاف إلى الشربة الأخيرة التي بها تصير ما مضى من الشراب مسكرة، وإنما ترك محمد - رحمه الله - هذا الأصل احتياطا لباب الحرمة فحرم القليل منه لأنه سبب داع إلى الكثير، وإن لم يكن علة.
وقالوا أيضا: لا تجب صدقة الفطر عن نصف عبد لأن علتها الرأس فلا يكون للبعض حكم العلة بل يكون له حكم العدم، وكذلك الحفنة بالحفنة لا ربا فيها لأن العلة هي المكيل وهذه بعض ما يكال وليس بمكيل.