باب
قال القاضي رحمه الله: قد ذكرنا فيما مضى تفسير المناقضة وحدها، وإنما أعدناها لنبين أن الاعتماد على الاطراد ليس بصواب، بل هو واهي الإطناب، لأنه بناء على عدم الدليل، على ما أوضحنا فيه السبيل، والرد بالمناقضة مما يلجئهم إلى القول بالتأثير.
قال الشافعي رحمه الله: إن النية شرط لصحة الوضوء قياسا على التيمم، وقال: طهارتان فكيف يفترقان.
فإن جعل موجب علته المساواة مطلقة لم يصح فإنهما يفترقان من وجوه، ويكون وجه المفارقة نقضا فإن قيد بالنية، وذلك غرضه انتقض بالطهارة عن نجاسة حقيقية فيضطر إلى الرجوع إلى موضع التأثير، وهو أن الطهارة حكمية أي حصولها عرف حكما وشرعا لا حقيقة، وهو حرف المسألة فإن الماء عندنا طهور خلقة فتحصل الطهارة باستعماله بطبعه فلا يتغير بالنية.
وأما التراب فطهور حكما فلا تحصل بطبعه طهارة ما لم يقترن به الشرط الشرعي الذي جعله طهورا أو إرادة الصلاة.
وقال أيضا: الطلاق ليس بحال فلا يثبت بشهادة رجل وامرأتين قياسا على الحدود، وهذا بظاهره يبطل بالبكارة فلا يجد بدا من الرجوع إلى طلب التأثير عند الاقتصار على هذا الوصف، وهو أن الأصل أن لا شهادة للنساء لنقصان عقلهن بكثرة غفلتهن، لكن جوز في باب المال لكثرة الحاجة إليه، وتكرار المعاملات فيه في الأسواق وغيرها حتى لا يضيق على الناس، وإنه معدوم فيما ليس بمال فلم يقبل كما ثبتت الولادة بشهادة النساء وحدهن لضرورة أن الرجال لا يحضرونها، ولم تكن حجة فيما يطلع عليه الرجال.
وهذا حرف المسألة فإن شهادة النساء مع الرجال شهادة أصلية عندنا كشهادة الرجال على ما نبين في موضعه، إلا أن فيها ضرب شبهة فلم يثبت بها ما يسقط بالشبهة كالحدود فأما ما لا يدرأ بالشبهات فهذه الشهادة حجة فيها والطلاق متى قوبل بالبيع كان أقوى ثبوتا منه، وكذلك الوكالات والوصايا، وكذلك النكاح فإنه يثبت عندنا مع الكره والهزل، وسائر الشروط الفاسدة.