وأما العكس لغة فتفسيره: رد حكم الشيء عن سننه، من عكس المرأة إذا نظرت إليها، فإنها ترد حكم نظرك عن سنن مقابلتك إليك حتى ترى بارتداد رؤية عينيك عليك وجهك، كان لك عينًا في المرآة.
وعكس الماء نور الشمس حتى يظهر شعاعه لو كان مقابلة الماء جدار كان في الماء شمسًا.
وهو على وجهين في النظر عكس حكم العلة بقلبها، وهو ضد الطرد نحو قولنا: الصوم عبادة تلتزم بالنذر فتلتزم بالشروع طرده الحج.
وعكسه الوضوء لما لم يلتزم بالشروع لم يلتزم بالنذر، فعكست الحكم بقلب الوصف.
وهذا مما يقوي حكم الاستدلال بالحكم لحكم هو نظيره حيث استويا ثبوتًا طردًا وسقوطًا عكسًا.
وأما الآخر فرد الحكم إلى خلافه لا على سننه بل بسنن غير سننه كقولهم: الصوم نفل قربة فلا يمضي في فاسدها فلا يلتزم بالشروع كالوضوء، وعكسه الحج فيعكس فيقال: لما كان بهذا الوصف وجب أن يستوي عمل النذر والشروع فيه قياسًا على الوضوء، فإن الشروع فيه لا يلزم لما لم يلزم نذره وههنا يلزمه النذر، فكذلك الشروع وهذا عكس ضعيف في الاعتراض لأنه قلب في الحقيقة بحكم آخر نصًا.
والقلب بحكم آخر باطل نظرًا لأنه لا مناقضة إذا اختلفا، ولأنه جاء بحكم مجمل لا يتصل بالمسألة إلا بعد البيان وليس ذلك للسائل، ولأن الحكم المفسر أولى من المجمل ولأن الاستواء بين الحكمين في الأصل من حيث سقوطهما، وفي الفرع من حيث ثبوتها، والحكم هو المقصود من إثبات الاستواء المجمل لا عين الاستواء، ومتى فسر الحكم كان على التضاد، والله أعلم.