فرتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراتب الخيرية.
فكذلك نحن نرتبهم في كونهم حجة أنه نهاية ما ينتهي إلى صفة الخيرية.
ثم إجماعهم على حكم سبق فيه مخالف لأن هذا فصل اختلف فيه العلماء والفقهاء.
فقال بعضهم: هذا لا يكون إجماعاً لأن الدلائل الموجبة عمت جميع الأمة، والأم: اسم يعم الحي والميت، فلا ينعقد الإجماع ما وجد في الأمة مخالف من حي أو ميت.
ولأن ذلك المخالف لو كان حياً للحال لم ينعقد إجماع من سواه إجماعاً فكذلك وإن مات، لأنا لا نعتبر خلافة خلافاً لحياته بل لحجيته وبالموت لا تتبدل الحجة.
ولأنا متى جعلنا إجماع المتأخرين حجة موجبة وجب تضليل المخالف ولا يجوز تضليله.
أيجوز تضليل ابن عباس رضي الله عنهما في مسألة العول؟ ومسألة توريث الأم مع الزوج والأب ثلث المال كاملاً؟ وقد أجمعوا على خلافه.
وقال محمد بن الحسن رحمه الله تعالى فيمن قال لامرأته: أنت خلية، ونوى به ثلاثاً ثم جامعها في العدة وقال: علمت أنها علي حرام: لم يحد، لأن عمر رضي الله عنه كان يراها واحدة رجعية، وقد أجمعنا بخلافه فنية الثلاث صحيحة بلا خلاف بين الأمة اليوم.
ولو سقط قول السابق لانقطعت الشبهة كالآية المنسوخة لا تبقى شبهة في استباحة المنسوخ، ولكن الذي ثبت عندنا أنه إجماع.
وقد روى محمد بن الحسن عنهم جميعاً أن القاضي إذا قضى ببيع أم الولد لم يجز وقد اختلف فيها الصدر الأول لأن الخلف بعدهم أجمعوا على أنه لا يجوز، ولو بقي قول القاضي معتبراً كأنه حي لنفذ قضاء القاضي بما اختلف فيه الفقهاء.
والحجة فيه ان إجماع الصحابة إنما كان حجة لامتناع ان يعدو الحق جماعتهم بالدلائل التي أوجبت الكرامة لهم لكونهم امة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يجز كذلك: أن يعدو الحق جماعة التابعين أو من بعدهم.
ولأن الله تعالى جعلهم خير امة يأمرون بالمعروف وجعل إجماعهم حجة، وصفة الخيرية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتصور إثباتها إلا مع الحياة فإن الميت لا يتصور منه الأمر بالمعروف فثبت أنه لم يرد بهذه الكلمة جماعة الأمة من حين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، ولكن أمته الأحياء في كل عصر.