بينا في عدالة الشاهد أنها تعرف بأثر دينه في منعه عن تعاطي ما اعتقده حرامًا في دينه كحرمة الكذب فالأثر وهو الامتناع معقول، وقد دلت عليه العلل المنقولة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الهرة ليست بنجسة لأنها من الطوافين والطوافات عليكم" علل لسقوط النجاسة بضرورة الطواف علينا، فللضرورات أثر في إسقاط حكم الخطاب.
وقال للمستحاضة: "إنه دم عرق انفجر، توضئي لكل صلاة"، علل للوضوء انفجار الدم لأن انفجاره مؤثر في إثبات حكم النجاسة وإيجاب حكم الطهارة.
وقال لعمر وقد سأله عن القبلة وهو صائم: "أرأيت لو تمضمضت بماء مثل مججته أكان يضرك؟ فقال: لا، قال: ففيم إذًا" علل لعدم الفطر بوصف مؤثر وهو المضمضة بالماء من غير ابتلاع لأن الفطر نقيض الصوم، والصوم بالكف عن اقتضاء شهوة البطن والفرج، والمضمضة خالية عن الاقتضاء صورة ومعنى، وكذلك القبلة.
والصحابة اختلفوا في ميراث الجد مع الإخوة وشبهوهم بفروع الشجرة وشعوب الوادي، وتلك معاني محسوسة مؤثرة في معنى القرب فعللوا بمؤثرات وبأوصاف غير مردودة إلى أصل، والوصف بنفسه لا يكون حجة إلا بأن يشهد له الأصول أو واحدًا، ويكون مؤثرًا فلما لم يشتغلوا باستشهاد أصل علم أنهم اعتمدوا التأثير.
وعلى هذا النمط عللنا في الفروع، فقلنا: لا يثلث مسح الرأس لأنه مسح فأشبه مسح الخف. وقال الشافعي: إنه ركن في الوضوء فأشبه الغسل، فكان الصحيح ما قلناه لأن المسح في ذاته أخف من الغسل ويلحق الناس في الغسل من المشقة ما لا يلحقهم في المسح، ولأن صفة المسح قد أثرت في إيجاب تخفيف هذا الركن متى قوبل بالغسل في حق استعمال محله، لأن الغسل لا يتأدى إلا باستعمال كل المحل، والمسح يتأدى بالبعض وكونه ركنًا لم يؤثر في التسوية ذاتًا وقدرًا.
ولأن السنة التي نختلف فيها شرعت مكملة لهذا الركن صفة له كتطويل القراءة في الصلاة والقيام، ولهذا شرعت في موضع الفرض بحيث يتأدى بها الفرض لو ابتدئ بها فيجب أن يؤثر صفة المسح في تخفيف إكماله في حق استعمال محله فيكمل باستعمال المحل مرة واحدة كما أثر في حق الفرض، ولا يكمل الغسل إلا بالاستعمال ثلاثًا وصفة الركنية ما أثرت في التسوية بينه وبين الغسل في حق أصل الفرض فكذلك في حق الإكمال.
وكذلك إذا اختلفنا في صوم رمضان إن نية الفرض شرط أم لا؟
فقلنا: الشرط نية الصوم.