أما الدليل على الملائمة فالحد فيه ما قال الشافعي رحمه الله وسنأتي بأمثلة ذلك من علل الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف رحمهم الله ليتضح لك الطريق في هذا إن شاء الله تعالى.
وأما الإخالة فشرط فاسد في المناظرة لأنه إشارة إلى ما يقع في القلب، وما لا يطلع عليه فلا يصير على غيره كما قيل في باب القبلة إذا اختلفت به الجهات لم يصر قول بعضهم على البعض حجة.
ولأن كل معلل يمكنه أن يقول: قد وقع في قلبي خيال صحته فيصير معارضًا إياك، وإنه من باب الإلهام وقد بينا في موضعه بطلان ذكره على سبيل الاحتجاج به، فثبت أن الصحيح أن تصفه بصفة الملائمة للقبول ليكون من باب ما يمكن إثباته على الخصم بدليل يمكن الوقوف عليه والوصول إليه بالتمسك بالعلل المنقولة، ولا يجوز العمل به قبل الملائمة لأنه أمر شرعي لا عقلي فما لم يكن من قبيل ما جاء به الشرع لم يصر حجة كالشهادة لا تصير حجة إذا قال: أخبر أو أعلم ولم يجز العمل به.
وإذا ثبتت الملائمة لم يجب العمل به قبل العدالة كما قاله الشافعي رحمه الله فيما مضى.
وكما لا نعمل بشهادة الشاهد إلا بالعدالة والفرق الذي ذكره بعض أصاب الشافعي بين الشاهد والوصف ليس بشيء لأن حال الشاهد إن احتلمت خيانة فيما ائتمن على ما قال، فصار الكذب محتملًا خبره فلم يصر حجة إلا بدليل يقطع الاحتمال ظاهرًا بقدر الإمكان، فكذلك حال الوصف في نفسه مع صلاحه احتمل أن لا يكون علة لأن العلة في كونها موجبة، وما لنا عليه دليل الموجب سوى الاستشهاد بأصل ثابت احتمل وجود الحكم فيه مع هذا الوصف اتفاقًا لا علة.
ألا ترى أنه لا يكون علة إذا قام دليل الرد كاحتمال الشهادة الكذب ما بينهما فرق إلا من حيث أن احتمال الكذب من الشاهد في أداء الشهادة، وههنا من المعلل في تعيينه ذلك وصفًا احتمل أن لا يكون واجب العمل به فثبت أنه لا بد من دليل يرجح احتمال الصواب على الغلط، وذلك في بيان التأثير لما ذكرنا أن ما لا يوقف عليه من طريق الحسن وجب الاستدلال عليه بأثره، وكذلك العلل الحسية إنما عرفت بآثارها.
ألا ترى أن الحد فيه ما يتغير به حكم الحال، والتغير أثر العلة لا محالة.
ألا ترى أن عدالة الشاهد إنما تثبت بأثر دينه في منعه عن ارتكاب ما اعتقده حرامًا بدينه، فاستدل به على منعه عن الكذب الذي هو حرام في دينه فتعرفنا العدالة بأثر ظهر من دينه فيما وقفنا عليه من أفعاله لا بعدم، فكذلك عدالة الوصف إنما تثبت بأثره في إيجاد مثل هذا الحكم في موضع آخر بالإجماع ليصير الأثر الموجود دليلًا على نظيره، ويكون استدلالًا بوجود معلوم لا بعدم ولا بشيء لا يطلع عليه ولا تجوز المحاجة به.