الاطراد في الكل إلا بقوله لا دليل على نقضه أو معارضته.
وإنما قلنا: لا يمكنه إثبات الإطراد في الكل لأنه وإن اجتهد كان للسائل أن يقول: ولم قلت أنه ليس وراء ما قلته أصل آخر يرده بنقض أو معارضة فيضطر إلى أن يقول: لم يثبت عندي أصل ناقضًا ولا معارضًا.
فإن قالوا: إن المعجزة إنما صارت آية لعدم ما يعارضها!
قلنا: لا كذلك بل لوقوعها على حد فوق معتاد البشر، إما محسوسًا وإما معقولًا، وبذلك الأثر ثبتت آية، إلا أن الكفار تعنتوا وقالوا أنه في مقدور البشر عادة، فقيل لهم: ائتوا بمثلها لينقطع تعنتهم فإنهم لو قدروا لما أمكنهم الصبر عن فعله، وفي الترك ذهاب دينهم ونفوسهم وحرمهم وأموالهم.
وأما علماؤنا رحمهم الله فإنهم قالوا: إن الإطراد ليس بتعديل ولا عدم الحكم مع وجود الوصف جرح.
أما الاطراد فلأنه إنما ثبت بكون الوصف شاهدًا أينما وجد في كل أصل على العموم فلا يكون عموم شهادته دليلًا على عدالته بمنزلة شاهد كرر شهادته في كل مجلس قضاء فلا يصير التكرار منه والثبات على الأداء تعديلًا.
أو نقول: كل أصل شاهد بنفسه بذلك الوصف فيه فيكون بمنزلة شهود أو رواة يكثرون فلا تصير الكثرة تعديلًا لمن لم يكن عدلًا قبل الكثرة.
وأما قولنا: عدم الحكم مع وجود الوصف لا يدل على الفساد.
فلأن العلة قد توجد صحيحة دون الحكم لمانع أو نقصان شيء ليس في ركن العلة نحو البيع بشرط الخيار للبائع موجود علة ولا حكم للمانع.
والطلاق بعد الدخول موجود ولا حكم في الإبانة إلا بعد العدة، كخيار الرجعة.
والنصاب موجود ولا حكم قبل الحول، والحول ليس بركن العلة ولا مانع، ولكن النصاب بصفة البقاء حولًا صار علة تامة عاملة فبدون صفة البقاء لا يعمل مع وجود ما هو ركن العلة تامًا حتى صح تعجيل الأداء قبل الحول، وأنه لا يجوز قبل تمام الركن كما لو عجل قبل النصاب، وهذا أيضًا كالشاهد إذا شهد مرة ثم استشهد فامتنع، أو الراوي روى ثم امتنع لم يكن ذلك جرحًا بنفسه حتى ينظر إنه لأي معنى امتنع، فإن كان لمعنى خاف على نفسه، أو لم يكن مجلس قضاء، أو ما أشبهه لم يكن جرحًا، وإنما يدل على عدم الحكم مع وجوده على الفساد إذا وجدت العلة بالمعنى الذي هو معه فيصير عاملًا بلا مانع من العمل، وذلك لا يعرف إلا بالرواية في الحدود والشروط، ولما سقط اعتبار هذا المعنى دليلًا على الفساد أو الصحة كما سقط اعتبار الدوران اضطررنا إلى دليل آخر.