وكذلك كل فاعل لا يحس لا يعرف إلا بآثار محسوسة تدل عليه، وهذا كصفة العلم لكل شخص لا يوقف عليها إلا بآثار فعله.
ولهذا كان طريق معرفة الله تعالى من الوجه الذي كلفنا، ولزمنا بالحجة الاستدلال بالعالم الكائن بخلقه، وعدم الحكم عند عدم العلة في الحسيات والعقليات والشرعيات جميعًا ليس بأثر العلة بل كان هذا قبل العلة، وإذا عدمت العلة عاد الأمر إلى ما كان من قبل العلة، وإذا لم يكن أثر العلة لم يصح الاستدلال به على كونه علة.
قال القاضي رحمه الله: وبلغني عن الرجل الذي شرط لصحة القياس دوران الحكم معه، والنص قائم في الحالين ولا حكم له أنه قال: إن العموم لا يكون حجة يعمل بها إلا بدليل آخر، وكذلك الأمر والنهي فلم يبق لنفسه حجة من السمعيات، ثم شرط للقياس شرطًا لا يكاد يجده بالرأي وحده بل يأبى الرأي صحته، فبقي بلا دليل فاحتج الأحكام المسائل بلا دليل على ما بيناه في باب لا دليل، فوجدته رجلًا قد غلب عليه السوداء بطول الفكرة حتى توقف عن العمل بالأدلة من النصوص والقياس لا بشروط احتياطًا ثم عمل بلا دليل، وما موجب لا دليل إلا الجهل.
فأما العلم فلا يثبت إلا عن دليل فجهل مع الأدلة، وعلم عند عدمها، ومع فحش هذا المقال لم يعرف أنه ناقض به ما قال فقد جعل حد صحة الاعتلال، دوران الحكم معه على كل حال، والعلم حكم حجته ثم أثبته بلا حجة.
وهكذا تبين عوار من زاغ عن طريق الله تعالى، قال الله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ولما ثبت أن الدورات لا يدل على الصحة، ولا عدمه يدل على الفساد سقط اعتبار هذا الدليل أصلًا، وقد بينا أنه لا بد من دليل يميز بين العلة وبين ما ليس بعلة فوجب المصير إليه، وبيننا وبين الشافعي خلاف في تحديده على ما بينا من الرواية.
وأما الذين قالوا: إن الوصف إنما يصير علة بكونه مخيلًا أي موقعًا في القلب خيال القبول وأثر الصحة فاحتجوا في ذلك بأن الأثر معنى من الوصف لا يحس على ما مر ذكره، ولكنه مما يعقل فيجب الرجوع إلى القلب، وتحكيمه عليه كما قيل في أمر القبلة إذا اشتبه ولم يبق عليها دليل محسوس: وجب الرجوع إلى القلب وشهادته والعمل به، فإذا أشهد القلب بصحته قبلت، وكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصة: "الإثم ما حاك في قلبك، وإن أفتاك الناس".
وقال بعضهم: لا يشترط هذا فإنه أمر باطن لا يمكن إثباته على الخصم، ولكنه